وداعًا أيّتها الشراكة الوطنية..

قالها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون في معرض توصيف "الاستشارات اللاحقة" التي حصلت مع تكتله في موضوع تأليف الحكومة، حيث اكتشف "موفدو" التكتل أنّ "ما كُتِب قد كُتِب وعلينا القبول به"..

قالها العماد عون بالأمس، وقد يقولها خلال الأيام القليلة المقبلة الكثير من الأفرقاء، إذا ما صحّت التسريبات التي تتحدّث عن "ولادةٍ قيصرية" لحكومة جامعة لن تكون سوى "حكومة أمر واقع"، نظرًا لتشبّث مختلف الأفرقاء بمواقفهم ومطالبهم..

هكذا، في بلدٍ مُنهار بات يعيش على وقع الانفجارات، التي يسارع السياسيون لإعلان "التضامن المزيّف" بعدها، لا يتردّد هؤلاء أنفسهم، وقبل أن تجفّ الدماء وتنكشف الأضرار، على نعي كلّ ما يمت للشراكة بصلة، وعن سابق تصوّر وتصميم!

الحكومة ستولد ميتة!

هي ربّما المرّة المئة التي ترتفع فيها أسهم حكومة الأمر الواقع وتُحدَّد لها مواعيد الولادة القيصرية إن لم تكن طبيعية، لكنّ العارفين بالكواليس السياسية لا يرون في الأمر هذه المرّة مجرّد "ورقة ضغط"، خصوصًا بعد أن استنفدت كلّ المساعي واصطدمت كلّ المحاولات بحيطانٍ مسدودة وليس بحائطٍ واحدٍ.

وتتقاطع هذه المعطيات مع المعلومات التي كشفتها مصادر مطلعة لـ"النشرة" ومفادها أنّ الحكومة السلامية باتت جاهزة، وأنّرئيس الحكومة المكلف تمام سلام يستعدّ لتقديمها خلال يومين، علمًا أنّ صحيفة "المستقبل" أشارت إلى أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان سيغادر الجمعة بيروت إلى تونس، وبالتالي فإنإعلان الحكومة يتم إما قبل يوم الجمعة وإلاّ في مطلع الأسبوع المقبلبعد عودة سليمان من الخارج.

وبحسب المعلومات، فإنّحكومة الأمر الواقع ستولَد على الأرجح ميتةنظرًا لرفض قوى أساسية المشاركة فيها ما سيُفقِدها ميثاقيتها، علمًا أنّ مصادر مطلعة في قوى "8 آذار" كشفت لـ"النشرة" أنّ وزراء كل من الحزب "التقدمي الاشتراكي" وحركة "أمل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" وتيار "المردة" وحزب "الطاشناق" سيقدمون فوراً استقالاتهم لتسقط بذلك الحكومة بحكم امتلاك هذه القوى مجتمعة الثلث المعطل، وسيدعو عندئذ رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى استشارات نيابية جديدة يكلف بموجبها شخصاً آخر تشكيل الحكومة.

ما كُتِب قد كُتِب..

هذه الأجواء السوداوية حضرت بشكلٍ صريح وواضح في اجتماع تكتل "التغيير والإصلاح" الذي خرج رئيسه العماد ميشال عون من بعده ببيانٍ مكتوبٍ بعناية، مطلقًا مواقف نارية في وجه المعنيين بتأليف الحكومة، إذ اعتبر "الجنرال" أنّ الخطر في مشروع تأليف الحكومة انه يأتي نتيجة استشارات ناقصة حذفت منها أول قوى نيابية مسيحية والثانية على مستوى المجلس النيابي، وشدّد على أنّ "من يضع العراقيل والعقبات هو من يخرج عن الميثاق والدستور والعرف ويُرسي ممارسات مصطنعة وغير مألوفة في تأليف الحكومات، ما ينزع عنها كل شرعية ميثاقية ودستورية، فتُضْحي حكومة أمر واقع بكل المفاهيم والمضامين، ما يحتّم التعامل معها على هذا الأساس". وفيما حذر عون من العبث بالثوابت والمسلّمات الميثاقية في مثل هذه المفاصل الشديدة الخطورة والحساسية، لفت إلى أنّ التكتل اكتشف خلال الاستشارات اللاحقة التي حصلت معه أنّ "ما كُتِب قد كُتِب وعلينا القبول به ووداعًا أيّتها الشراكة الوطنية". وما لم يقله العماد عون قاله عضو التكتل النائب ​حكمت ديب​ في حديث لـ"النشرة"، حيث أعلن أنّالتكتل سيتعامل مع أيّ حكومة أمر واقع من هذا النوع بوصفها "انقلابًا"وسيحاربها بكلّ ما أوتي من قوّة.

في غضون ذلك، لفت ما نُقِل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن أنهلن يعطي موقفًا الآن قبل إعلان التشكيلة، رغم أنّ موقفه معروف ومبدئي، وهو التركيز على الميثاقية، قائلاً أنه ينتظر تركيبة الحكومة أولاً، ثمّ يحدّد موقفه على أساس ميثاقيتها. وجدّد بري القول أنه "خدم عسكريته" ولن يقدم على أيّ خطوة، مؤكداً التزامه الصمت والانتظار، وأشار إلى أنه أبلغ هذا الموقف إلى سلام عندما اجتمعا الأحد الماضي واقترح عليه الاتصال بالفرقاء المعنيين لإزالة العراقيل. ولفت إلى أن سلام قال له: "لا أعرف كيف ظهرت هذه العراقيل فجأة"، فرد بري بأنه فوجئ هو كذلك.

وحده رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ بدا مرحّبًا بتطور الأمور، وهو الذي أعلن مرارًا رفضه لصيغة الحكومة "الجامعة" بوصفها "تمثيلية" و"ضحكًا على الذقون"، وقد جدّد في حديث لصحيفة "النهار" دعوته لحكومة حيادية "خارج 8 و14 آذار"، مشدّدًا على وجوب أن يمارس رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف صلاحياتهما الدستورية والبدء فورًا بتشكيل هذه الحكومة، معتبراً ان "الحكومة السياسية إذا ولدت، فستولد ميتة".

كلمة أخيرة..

بعد كلّ انفجارٍ أمني يحصل، يتناوب السياسيون، من كلّ الجهات السياسية، على التصريح ليدلوا بدلوهم من الاستنكارات والادانات التي تكاد لا تنتهي، ويعطفون مواقفهم هذه على عبارة: "لا بدّ من تأليف حكومة في أسرع وقتٍ ممكن".

ولا تكاد تمرّ ساعات على هذه التصريحات حتى يدرك المواطنون أنّها لا تعدو كونها "ضحكًا على الذقون"، وأنّ ايًا من هؤلاء لا يسهّلون عمليًا ولادة هذه الحكومة، وأنّ أيًا منهم ليس مستعدًا للتنازل من أجل الآخر، ولو حرص على الحديث عن "تنازلاتٍ مرّة" قدّمها هنا وهناك..

هكذا، لم تفصل 24 ساعة بين التضامن المزيّف ونعي الشراكة.. وما على الشعب سوى أن يتّعظ!