تأليف الحكومة الذي يدور في حلقة مفرغة يرتبط بالإعداد لمرحلة رئاسة الجمهورية، وسط سيناريوات محتملة عن التمديد أو ما يشبه الدوحة ــ2 لإنتاج صفقة متكاملة

تعكس الحرب على تأليف الحكومة وجهاً آخر من المشكلة اللبنانية، تتمثل في الانتخابات الرئاسية.

لا يقلل أيّ من المتابعين للمشاورات الحكومية من أهمية العنصر المحلي في شأن توزيع الحقائب والحصص، وقبلها في تثبيت معادلة 8 ـــ 8 ـــ 8. لكن هذا العنصر الذي يوحي بأنه سبب تأخير صدور مرسوم التأليف، يرتبط أولاً وأخيراً بجملة معطيات إقليمية، كانت أساساً السبب في فرملة الاندفاعة الرئاسية قبل أسابيع، ولا تزال ترخي بثقلها على المعطى المحلي.

فخطورة الوضع المحلي، خصوصاً بعد دخول عامل الانتحاريين والجهاديين على الخط، كانت السبب الرئيس الذي دفع الدول المعنية، إقليمياً ودولياً، الى الضغط بقوة للسير بشكل من أشكال الحكومة الذي يسمح للجميع بالتواصل في الحد المقبول، من أجل ضمان استقرار لبنان. لكن لا أحد من المعنيين يذهب بعيداً في توقعاته أن الاوضاع ستصطلح بين يوم وآخر بين القيادات السنية والشيعية، التي تتحدث في مجالسها عن خطورة الصراع الحالي. من هنا، وبحسب سياسيين مطلعين، انحصر هم المتحركين على خط إيران والسعودية، من موفدين أميركيين وروس، والى حد ما الفرنسيين، في أن تسير التسوية اللبنانية على إيقاع التسوية الغربية مع إيران، والإعداد لمؤتمر «جنيف 2». فإذا تقدمت الثانية خطوات تُرجم الهدوء في لبنان مزيداً من خطوات التطبيع.

لكن ما حصل هو أن الدعوة الايرانية الى جنيف سحبت، وتالياً توقفت عجلة الحكومة في لبنان، كأحد المؤشرات على طبيعة الأخذ والرد بين الطرفين، في انتظار بلورة أكثر وضوحاً لمواقف إيران وتجاوبها مع المفكرة الاميركية.

مع إعطاء «جنيف 2» فرصة جديدة الاسبوع المقبل، طرأ تطور جديد على منحى الحدث الاقليمي تمثل في الاعلان عن زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما للسعودية في آذار المقبل. يعكس الإعلان حقيقة التجاذب الذي يتحكم في الادارة الاميركية بحسب من ينقل من أجواء منها، إضافة الى المؤثرين الاستراتيجيين فيها، حول سياسة واشنطن تجاه الرياض وطهران، المتصدرتين حالياً زعامة المنطقة وإدارة بعض ملفاتها المتشابكة. ولأن الزيارة تعتبر خطوة نوعية، مع بداية الاشهر الستة المرسومة لطهران بعد اتفاقها النووي لتحديد خياراتها تجاه هذه الملفات، تتحول المنطقة تدريجاً نحو ساحة تجاذب وتسجيل نقاط بين السعودية وإيران. فالاولى تحاول استعادة زمام المبادرة من واشنطن في فرض أجندتها، والثانية تعمل في محادثات يتردد أنها سائرة على خط منفصل مع واشنطن، على إمرار الوقت لبلورة الخيارات المطروحة أمامها.

يمثل لبنان في هذا المجال أحد الملفات العالقة مع العراق وسوريا المقبلة على انتخابات وتحديد مصير الرئيس السوري بشار الاسد. لذا ظهرت تجليات هذا الصراع في الحكومة، فدفعت إيران حزب الله أولاً في اتجاه القبول بالحكومة، ومن ثم التنازل عن 9 ـــ 9 ـــ 6، في المقابل دفعت السعودية الرئيس سعد الحريري الى الأمر ذاته، يوم انطلاق عمل المحكمة الدولية، معلناً قبوله الجلوس الى جانب من اتهمهم باغتيال والده الرئيس رفيق الحريري.

لكن، فجأة، برزت عراقيل التأليف حول المداورة، في مقابل إصرار رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على إصدار المراسيم، ما يجعل من الصعب التصديق أن انطلاق عملية التأليف التي رعتها السعودية وإيران وواشنطن، باتت ذات طابع محلي بحت، محصورة بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام والعماد ميشال عون. وهل يمكن هؤلاء الثلاثة أن يوقفوا تسوية كبرى، فقط لأن هناك من يريد تأليف حكومة ولو تكنوقراط، ومن يريد المداورة في لحظة المؤتمرات الدولية والخيارات الإقليمية، والتفجيرات الانتحارية، واحتمالات الفراغ في لبنان، والانتخابات السورية على الابواب، ولأن هناك في المقابل من يرفض التخلي عن وزارة الطاقة؟

تبدو الصورة على هذا النحو منسجمة مع ما يجري إقليمياً ودولياً. فغليان المنطقة يقابل في بيروت باستسهال التعطيل وطرح شروط وشروط مضادة. وهذه الشروط وصلت إلى الحد الذي أكد أمس ما قالته مصادر مطلعة على الموقف السعودي من أن الكرة الآن أصبحت في ملعب الرياض، وهي اليوم تملك مفتاح الدفع نحو خاتمة سعيدة للحكومة أو تجميدها. فالكلام عن الإقدام والإحجام عن التأليف، وعن تشبث الرئيس المكلف الذي اختارته السعودية بمبدأ المداورة، أو حتى تهديد رئيس الجمهورية بحكومة أمر واقع سياسية، من دون الاخذ باعتبارات واقعية، لا يعكس حالة الاهتراء اللبناني، بل يبدو الى حد ما كأنه يشبه لبنان الستينيات، ولا تفسير له، إن لم يكن مرتبطاً بترتيبات سعودية محددة وانتظارات أكثر وضوحاً لمجموعة من الاسئلة.

وهذا الدوران في الحلقة المفرغة لا يعكس سوى الرابط الحيوي بين الملف الحكومي والرئاسيات. فالموفدون الاميركيون من لبنان الى السعودية يتحدثون عن تصدر الموضوع الرئاسي، ربطاً بالموضوع الحكومي، جدول الاعمال الذي يبحث على أكثر من مستوى، وسط سيناريوات مختلفة مطروحة للتداول.

فالحرب من أجل تأليف الحكومة، مهما كانت هويتها، تعني أولاً وأخيراً أن ثمة حقيقة واحدة هي أنه لا انتخابات رئاسية في الافق المنظور، وأن السعي لتأليف الحكومة يتعدى الهدف الظرفي، بتأليف حكومة لتسيير شؤون الناس. والحكومة المقبلة، بحسب سياسي مطلع، تواجه مرحلة الفراغ والانتخابات الرئاسية وتحديد شخصية الرئيس وهويته ومعها قانون الانتخاب. ما يمكن أن يوحي بأن الفراغ هو المعبر الأساسي لإنضاج ما يشبه «دوحة 2»، تدخل البلاد، إذا ما استقرت التسوية الاقليمية حينها، مرحلة استقرار نسبي. ولذا تكتسب تشكيلة الحكومة وشخصياتها هذه الأهمية، من جانب العاملين عليها، لأن هذا الطاقم الوزاري هو الذي سيكون في مرحلة الخيارات الاقليمية والمحلية الصعبة، مع العلم بأن ثمة من يذهب الى حد القول إن الهدف من الضغط لتأليف حكومة بمن حضر مع العلم بمخاطرها واللجوء الى إسقاطها هو تغيير رئيسها لاختيار شخصية مختلفة تماماً «ترأس» البلاد تنفيذياً في ظل الفراغ، الى جانب الرئيس نبيه بري، وسط كلام عن ملامح تسويات سياسية تدور منذ الآن حول المرحلة التي تلي الفراغ.

أما السيناريو الآخر، فلا يستبعد الحديث عن احتمالات التمديد لرئيس الجمهورية، في ظل تساؤلات عن صفقات متكاملة يمكن أن تكون قيد الإعداد إقليمياً ودولياً. وهو عامل لم يسقط بعد من الحسابات كلياً.