بعد المواقف التي اتخذتها، في الاشهر الاخيرة ، بعض المكونات الاروبية لجبهة العدوان على سورية و التي اشرت بشكل واضح الى تدابير اعتمدت خاصة في بريطانيا و فرنسا و بلجيكا او انها ستتخذ بحق الارهابيين العاملين على الارض السورية ، يبدو ان الامر بات اكثر جدية و وضوحا الان لدى مكونات اخرى اكثر انخراطا في العدوان دورا و اهمية، نقول هذا مع صدور القرار السعودي بحق هؤلاء، و الموقف الملفت الذي صدر عن وزير الامن الداخلي الاميركي محذرا من الارهابيين و قتالهم و معتبرا ان القتال في سورية بات مسألة لصيقة بالامن القومي الاميركي .

قرارات و مواقف قد توحي بان مكونات جبهة العدوان وبعد اقرارها الضمني بفشل عدوانها و صمود سورية في مواقعها و امتلاكها لزمام المبادرة ، قد تكون تأثرت بيقظة ضمير و ادركت حجم الجرائم التي ساهمت فيها ضد الشعب السوري ، و اتجهت اثر ذلك الى اعادة النظر في مواقفها العدوانية الاجرامية . فهل ان هذا الامر حقيقة ام ان وراء الاكمة ما وراءها ؟

بداية يجب ان نتذكر بان الارهابيين في سورية و الذين تقاطروا من اربع رياح الارض و حملوا جنسيات دول متعددة بلغت ال 83 دولة و امتلكوا من القدرات العسكرية ما جعلتهم قوة قادرة على القتال لاكثر من 3 سنوات ، ان هؤلاء لم يصلوا الى ماوصلوا اليه بقدرات و مبادرات فردية ، بل ان دولا و اجهزة مخابرات دولية كبيرة كانت وراء ذلك و ان قيادة قادرة على حبك المنظومات اللوجستية الملائمة لمثل هذا العمل ، هي التي مكنت هؤلاء من الوفود الى سورية و اعدادهم للعمل المسلح المناهض للدولة و المزعزع لامنها و استقرارها ، و ان هذه القيادة و الادارة لم تكن متسترة بل ان الوقاحة لدى من مارسها بلغت حد الاعلان عن نفسه و التباهي بانه يرتكب ضد سورية من الاعمال و الافعال ما ينطبق صراحة و وضوحا على مفهوم العدوان وفقا لقواعد القانون الدولي العام في كل المصادر و الوثائق التي تشكل منها هذا القانون . و تأتي في طليعة تلك الدول كل من اميركا التي اعلنت انها تسلح الارهابيين و اسمتهم " معتدلين " و السعودية التي بكل وقاحة اعلنت انها ستبقى تفاتل في سورية لاسقاطها ، حتى و لو لم يبق احد يقاتل معها من دول العالم وهيئاته .

وعودة الى القرار السعودي الاخير الذي اعتبر القتال في سورية من قبل السعودين امرا غير مقبول و ان من يعود الى المملكة من المقاتلين هؤلاء سيقتاد الى السجن ، كما منع على السعوديين الان الذهاب الى سورية للقتال فيها ، و بقراءة متأنية للقرار على ضوء الحقائق التي ذكرت و التي تؤكد الاصرار السعودي على العدوان على سورية حتى و لو بقيت وحيدة في الميدان ، نصل للوهلة الاولى الى رسم صورة متناقضة قد تقود الى القول بان المملكة تقول الشيء و عكسه او ان هناك تراجع سعودي عن العدوان ، لكن هذه التصور – اي التراجع عن العدوان - كان يلزمه ليصح اعتماد تدابير اخرى كان يجب ان يتضمنها القرار الصادر عن الملك مباشرة بارادة ملكية لا يلجأ اليها في منظومة الاعراف الملكية ( باعتبار ان السعودية لا تملك دستورا ولا قانون دستوري يحدد الصلاحات و الاطر ) لا يلجأ اليها الا في الحالات الدقيقة الحساسة ذات الصلة بشأن اساسي من شؤون المملكة .

فالعدوان على سورية لا يتمثل بشخص اطلق طلقا ناريا في الميدان ، بل انه ابعد من ذلك بكثير. و هو يبدأ بقرار اعتمده سياسي و خطة وضعها عسكري ، و مال خصص و جمع ، و دعاة فتنة و شحن نفسي و تعبئة تتم في حلقات يقودها دعاة الفتنة من معتمري عمامة دينية ، و منظومة اعلام تقود عمليات الشحن و التضليل و الحرب النفسية ، و منظومة لوجستية للنقل و التجهيز وصولا الى تنظيم العصابات الارهابية و زجها في الميدان لارتكاب الجرائم و الفظائع التي وصلت الى حد اكل القلوب بعد اقتلاعها من صدور السوريين .

و من هذه الحلقات التي فيها السياسي والعسكري والمالي والديني والاعلامي والاداري والميداني، لم يتوجه القرار السعودي الا الى حلقة من سبعة و هي الحلقة الاخيرة اي الميدانية و جاء متوخيا منع انخراط المزيد من السعوديين فيها و منع عودة من هو في سورية الان الى المملكة، مع افساح المجال لمن يرغب من هؤلاء بان يسلم نفسه الى السفارة السعودية في تركية لتتعامل معه وفقا للمشيئة الملكية . اما الاخرون من الارهابيين من السعوديين او غير السعوديين الذين يستمرون في القتال في سورية فانهم سيبقون تحت الرعاية و العناية طالما هم يقاتلون في الميدان، رعاية تتم وفي الحلقات كلها و سيستفدون من الاعلام الوهابي و من المال الخليجي و من دروس دعاة القتل و سفك الدماء من الوهابيين التكفيرين .

ما يعني ان السعودية لم تراجع مواقفها من سورية في الحقيقة و انها لم تقرر وقف عدوانها عليها ، بل ان امرا لاح لها وحملها على هذا الموقف الذي سارع البعض الى اعتباره تحول في الموقف السعودي ، يخرج السعودية من جبهة العدوان على سورية و يضعها على الدرجة الاولى من سلم الصعود الى الحل السلمي للازمة التي افتعلت على اراضيها .

ان الامتناع عن العدوان يقتضي الخروج من قطاره ، و لا يكفي التنقل بين عرباته فقط ، و صحيح ان الدولة بحاجة الى وقت و جهد لتنفذ استدارة كاملة في مواقفها او ان تغير اتجاهها بشكل جذري ، و لكن الصحيح ايضا ان القرار فيما لو كان حقيقة قد اتخذ يقتضي اولا التوقف عن الشحن الاعلامي و النفسي و اقله قول الحقيقة دونما تحريف ، الامر الذي لا نسجل شيئا منه في الاعلام السعودي اليوم . اذن بماذا نفسر قرار الملك بمنع السعوديين من الذهاب الى سورية للقتال او العودة منها ؟

اننا نرى بان القرارات الاروبية التي اعتمدت في هذا السياق مرفقة بهواجس او مخاوف برر بها اصحابها اتخاذها تساعد على فهم الموقف السعودي ، و من المفيد ان نعود الى ما صدر عن الوزير الاميركي من تحذير بان " الجهاديين في سورية " قد يقدمون على تدريب متطرفين اميريكيين و يدفعونهم للاخلال بالامن الداخلي الاميركي و لهذا بات القتال و وجود الارهابيين في سورية شأتا متصلا بالامن القومي الاميركي ، كما ان التحذير البريطاني جاء مشابها بعد ان اطلقت بعض الجهات التي اسميت متطرفة ، اطلقت تهديدات للبريطانيين بانها ستستهدف خطوط النقل و المحطات و القطارات باعمال عسكرية ، او الهواجس الفرنسية و الالمانية و البريطانية و البلجيكية من عودة ال 5000 شخص ممن يحملون جنسيات الاتحاد الاروبي عودتهم المرتقبة من سورية بعد استحالة بقاءهم فيها اثر هزيمة العدوان و تخييرهم بين القتل و السجن او العودة الى اروبا ، عودة يعقبها قيامهم باعمال تزعزع الامن مستعملين الخبرات الارهابية التي حصلوها في سورية .

ان القرار السعودي يجب ان يفهم على ضوء ما تقدم بانه تدبير احترازي وقائي حماية للملكة من اعمال الارهابيين السعوديين الذين قد يعودون اليها من الميدان السوري بعد فشل العدوان ، مزودين بخبرات هامة في المجال الارهابي و تعلم السعودية ان ال 9000 شخص ممن يحمل بطاقة التابعية السعودية ( لا يوجد في السعودية جنسية بل تابعية للعائلة المالكة ) ان هؤلاء قادرون على تجنيد اعداد مضاعفة من الارهابيين في الداخل و القتال ضد الملك و ان الارض مهيئة لهذا الامر و قابلة للاشتعال السريع .

اننا نرى في القرار السعودي ، كما في المواقف و القرارات الاروبية المماثلة نوعا من تحسس الرقاب و اقرار ضمني بالهزيمة في سورية و خوف من المستقبل خشية تطبيق المثل ان "طابخ السم آكله " ، خاصة و ان القتال الارهابي في سورية بات امام حائط مسدود ، و كما قلنا منذ سنة تقريبا بان سورية انتصرت من الوجهة الاستراتيجية ، و بقي امامها ترجمة الانتصار ميدانياً، و اعترف الغرب بهذه الحقيقة اليوم بعد سنة من الانتصار الاستراتيجي ، فاننا نقول بان الانتصار الميداني بدأت مداميكه تتراكم ليتشكل كليا في غضون الاشهر المقبلة و هذا ما يخيف مكونات جبهة العدوان على سورية ، من تشكل ارهاب مرتد عليها يمارسه الارهابييون انفسهم الذين رعتهم تلك المكونات ، و لم يعد الان السؤال من سينتصر في سورية، بل بات سؤال من طبيعة اخرى يتمثل بالقول متى يكتوي المعتدي بنار عدوانه؟ و هل ستكفيه بعض التحذيرات و التدابير الاحترازية التي يتخذها لتجنب تجرع الكأس التي سقى منها الاخرين؟