لم يعد الحديث عن جمود الملف الحكومي أمراً جديداً. الجديد هو البحث في الخطوات التي تلي تعطيل التأليف، والاسباب الموجبة التي قد تعيد فتح هذا الملف على أسس جديدة عشية الاستحقاق الرئاسي.

تمثل 2014 سنة الاستحقاقات في المنطقة، بدءاً من الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، ومن ثم انعقاد مؤتمر «جنيف 2» وتداعياته، وصولاً الى الانتخابات الرئاسية السورية. وفي هذه السنة ترسم استراتيجية المنطقة، وسط حركة دولية وعربية لتلمس بعض معالمها، تحت مظلة القطبين السعودي والايراني. وتكفي لائحة المواعيد الاوروبية والعربية الحالية في البيت الابيض، وجولة الرئيس الاميركي باراك أوباما الاوروبية المرتقبة، وزيارته للسعودية على هامشها، وجولات وزير خارجيته جون كيري، لرسم صورة عاكسة للوضع الاقليمي المتشابك.

وسط هذا الموازييك، تراءى للقادة اللبنانيين أن في إمكانهم تشكيل حكومة تتزامن مع الانفراجات الاقليمية الظرفية. فما إن لاحت بوادر الاتفاق الايراني ــــ الغربي، حتى تسارعت خطوات التأليف، بعد سبات عميق دام أشهراً.

لكن قطار التأليف توقف عند عقبات المداورة وتوزيع الحقائب. الجديد هو ما بدا خلال الساعات الاخيرة من أن المعنيين بالتأليف استسلموا الى واقع، حاولت أكثر من شخصية سياسية في الفترة الأخيرة الجزم به، رغم كل المواعيد التي ضربها رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام، وهو أنه لا حكومة في المدى المنظور. والأهم أن أي حكومة قد تبصر النور بقرار إقليمي أو دولي، لن تولد إلا مع اقتراب استنفاد المهل لانتخاب رئيس للجمهورية.

تعكس هذه الاجواء توقعات جهات لبنانية مطلعة تتخوف من أن يكون الضغط الدولي الحالي على لبنان لا يتعدى الاطار الكلامي المبني على مسلّمات مبدئية أكثر منه عملاً جدياً يدفع في اتجاه الضغط لتأليف الحكومة، على غرار ما كان يتم مع تأليف الحكومات السابقة. فالدبلوماسيون، المعنيون منهم تحديداً، يتعاطون مع ملف تأليف الحكومة على قاعدة الارتباطات الاقليمية لعملية التأليف، وهم عبّروا في أكثر من مناسبة عن هذا الاتجاه، رابطين إياه بانتخابات رئاسة الجمهورية، ومشددين في الدرجة الاولى على أهمية الاستقرار الامني، ما يعني عملياً أن لا قرار إقليمياً حالياً بالسير بتأليف الحكومة، ما دامت رؤية المنطقة لا تزال ضبابية، في انتظار وضع رزمة حل كامل للبنان.

لكن في موازاة ذلك، تبقى الادارة المحلية للعبة الحكومة. فالجمود المستجد على ملفها لم يشكل مفاجأة للاطراف المعنيين، رغم أن تصوراتهم لا تلتقي حول السبب الفعلي الذي جمد مسار الحكومة، والمخرج الذي يمكن أن يفتح باب الانفراج، ما يجعل المشهد الحالي كأنه اليوم الاول لتكليف سلام بتأليف الحكومة.

فقوى 14 آذار لا تزال تتأرجح بين المؤيدين للدخول الى هذه الحكومة، ومنهم الطامحون بالتوزير، والذين يصلون الى حد توقع حكومة «هدية إيران» الى اوباما قبل زيارته للرياض، وبين الذين لا يزالون يطالبون باستغلال الجمود الحالي، للدفع نحو حكومة حيادية. فالفريق الاخير يرمي كرة التعطيل على الوضع الاقليمي، معتبراً أن الاندفاعة الايرانية في اتجاه التأليف تفرملت، وعبّرت عن نفسها محلياً بعدم ضغط حزب الله على تكتل التغيير والاصلاح من أجل القبول بشكل الحكومة والسير بالاتفاق الذي رعاه الرئيس نبيه بري. لكن التطور الجديد لدى هذا الفريق هو أن مسار أي حكومة جامعة لا يمكن أن يقوم حالياً في لبنان، في ظل استنفار على جبهة سوريا لمعركة يبرود، واحتمال تدخل حزب الله بقوة فيها. وهذا يشكل بالنسبة الى من يعترض على تشكيل الحكومة الجامعة وجلوسه الى جانب حزب الله، رغم قرار الرئيس سعد الحريري، توقيتاً غير ملائم، نظراً الى أن ارتداد معركة يبرود سيكون وخيماً على لبنان وبلداته البقاعية. لذا لا يخلو حديث هذا الفريق من دعوة رئيس الجمهورية الى خيار حاسم في اتجاه فرض حكومة حيادية تهيّئ لانتخاب رئيس الجمهورية. ويكبر عند هذا الوسط حجم الاستغراب لموقف سليمان الذي وعد أكثر من مرة بإصدار مراسيم التأليف، ورمي الكرة في ملعب الرئيس المكلف. يلتقي موقف هذا الفريق مع موقف القوات اللبنانية التي تصرّ منذ اللحظة الاولى على حكومة حيادية، وتدعو سليمان وسلام الى المبادرة إليها «من دون خوف، من أجل إنقاذ الوطن، لأن تأليف حكومة سياسية في الوقت الراهن لا يجمع سوى التناقضات البنيوية ما يجعلها غير فاعلة».

في المقلب الآخر، لا يرى تكتل التغيير والاصلاح أن الحكومة تعطلت، فما تعطّل هو «هذا النوع من الحكومات الذي كان يُعمل عليه». ثمة اعتقاد لدى القائمين بالاتصالات الحكومية من جانب التكتل أن «لا تأليف بعد اليوم لحكومة غير متوازنة أو تستثني أي طرف، ولا تأليف تحت الشروط والتهديد ولا حكومات أمر واقع».

يرتاح التكتل الى سير الاتصالات «الإيجابية» التي يجريها من أجل الخروج «بحكومة متوازنة تمهد لانتخابات رئاسة الجمهورية». والتكتّل يتّكئ في موقفه، مرة جديدة، على موقف الطرف الشيعي «الذي شكك البعض فيه في المرحلة الاولى، لكنه أثبت وقوفه الى جانبنا»، إضافة الى موقف البطريرك الماروني البطريرك مار بشارة الراعي، الذي ما إن حصد إشادات 14 آذار بمذكرته، حتى أعطى التكتل وقوى 8 آذار جرعة دعم بقوله لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف إنه «ليس من كرامتهما تشكيل حكومة لا تنال الثقة».

بين الأطراف المعنيين اختلاف حول من سبق الى تعطيل الحكومة. لكنّ ثمة قاسماً وحيداً بينهم: الجميع يفتش عن مخارج وأعذار.