بغضّ النظر عن الهدف الفعلي الذي قصفه الطيران الإسرائيلي في الغارة التي إستهدفت منطقة جرديّة نائية في سلسلة الجبال الشرقيّة الحدوديّة، قبالة بلدتي جنتا ويحفوفا اللبنانيّتين، بحسب ما ذكر أكثر من مصدر، كان لافتاً أنّ الأوساط المُقرّبة من "حزب الله" أجمعت على نفي حصول الغارة داخل الأراضي اللبنانية، من دون أن تنفي وقوع الإعتداء بالمُطلق وإن كانت شكّكت به، علماً أنّ أبناء المناطق المحيطة سمعوا تحليقاً كثيفاً للطيران على علوّ منخفض، قبل أن يسمعوا دويّ إنفجارين قويّين، على الأقلّ.

بالنسبة إلى الأهداف التي تعرّض لها الطيران الإسرائيلي، فقد تضاربت الأنباء حولها، في ظلّ تعتيم إعلامي بشأنها من قبل السلطات السورية، وإعتبار "حزب الله" نفسه غير ملزم بالتعليق عليها. وبحسب التسريبات من مصادر مختلفة، فإنّ الغارات يُمكن أن تكون إستهدفت شاحنات أسلحة أو مركز قيادة أو حتى قاعدة صاروخيّة، مع إستبعاد خيارات أخرى منها أن تكون الطائرات الإسرائيلية المعادية قد عبرت كل هذه المسافة لقصف مركز حراسة حدودي سوري مثلاً.

الإحتمال الأوّل: إستهداف موكب شاحنات كانت تنقل أسلحة نوعيّة إلى الداخل اللبناني عبر طرق ترابية حدوديّة غير شرعيّة تُستخدم لتهريب الأسلحة والعتاد. وفي حال صحّ هذا الأمر فهو يدلّ على وجود فائض في الأسلحة والذخائر التي تتدفّق إلى الداخل السوري، بحيث يمكن تحويل جزء منها إلى الداخل اللبناني بكل سهولة ومن دون علم السلطات الرسمية، وذلك على الرغم من إحتدام المعارك في سوريا. وهو يعكس أيضاً تحضيرات "حزب الله" المُستمرّة للجولة القتالية المقبلة مع قوات الإحتلال الإسرائيلي، على الرغم من إنغماسه في وحول الأزمة الدمويّة السورية. تذكير أنّها ليست المرّة الأولى التي يشنّ الطيران الإسرائيلي غارات داخل الأراضي السورية، بحجة "القيام بكل ما هو ضروري دفاعاً عن إسرائيل"، بحسب تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وآخرها غارة في تشرين الثاني الماضي، وقبلها في أيّار من العام 2013.

الإحتمال الثاني: إستهداف نقطة قيادة ميدانية متقدّمة لـ"حزب الله"، تُدير على الأرض السورية حركة تنقّل المُقاتلين التابعين للحزب بين لبنان وسوريا، وتتولّى إدارة العمليات على جبهة القلمون، وتحديداً معركة يبرود ومحيطها. وهذا الإحتمال أطلق سلسلة من الروايات عن إستهداف شخصيات قياديّة ميدانية في "الحزب" أيضاً. وفي حال صحّ هذا الأمر فهو يدلّ على دخول الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر على خط المعارك الدائرة في سوريا، عبر وضع "خطوط حمراء" سيعمل على عدم السماح بتجاوزها، بهدف منع إحداث تغييرات في توازنات إقليميّة قائمة، أو ربّما بكل بساطة سعياً لإطالة أمد الصراع الدموي في سوريا إلى أطول فترة ممكنة، كونه يصبّ بنهاية المطاف في صالح تلهّي الأطراف المعادية لإسرائيل بمشاكلها الداخلية المُستنزفة لطاقاتها البشرية والعسكريّة والمادية والإقتصادية، إلخ.

الإحتمال الثالث: إستهداف قاعدة صاروخية خلفيّة للحزب تضمّ منظومة متكاملة لإطلاق صواريخ بعيدة المدى، يتم تحضيرها منذ اليوم لأيّ مواجهة مقبلة محتملة مع إسرائيل. وليس بالضرورة أن تكون هذه القاعدة هي لصواريخ أرض – أرض، علماً أنّ البُعد الجغرافي للمنطقة المستهدفة بالغارة، عن مناطق السيطرة الإسرائيليّة، لا يحول دون وصول الصواريخ البعيدة المدى إلى هذه الأخيرة. ومن المحتمل أن تكون القاعدة الصاروخية هي لمنظومة دفاع جوّي متطوّرة يتم تحضيرها وتطويرها، على أمل توفير الحماية لكامل المناطق البقاعية في أيّ مواجهة مقبلة.

في كل الأحوال، وبغض النظر عن طبيعة الهدف الذي أغار عليه الطيران الإسرائيلي، وعن موقعه الجغرافي الدقيق، من الواضح أنّ الخيارات العسكريّة لا تزال تحتلّ الأولويّة لدى إسرائيل التي تعتبر أنّ ظروف الأزمة السورية الضاغطة على كل من النظام السوري وحلفائه، مناسبة لتنفيذ "أجنداتها" الأمنية، من دون الخشية من أيّ ردّ فعلي يستهدفها!