تقدّم الأمن في الشمال على ما عداه من تطورات ومواقف، بما فيها حصول حكومة تمام سلام على ثقة مجلس النواب، في مشهد دراماتيكي عكس حجم تداعيات سقوط مدينة الحصن السورية وقلعتها بيد الجيش السوري، موقعًا الكثير من الاصابات والقتلى في صفوف المقاتلين ومن بينهم عدد من اللبنانيين ومتسبباً بفرار عدد لا يستهان به من المسلحين إلى وادي خالد وعكار، لينضموا بذلك الى قافلة "القاعديين" الذين سبقوهم ليتخذوا من جرود عرسال مكان اقامة ومركز عمليات، وليدخلوا الشمال اللبناني في دوامة جديدة من الأمن المترجرج ليس فقط في طرابلس التي لم تنته بعد من جولتها العشرين، بل في الشمال بأسره.

تطورات اليوم الأمني الطويل دفعت إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الوضع الشمالي، وما إذا كانت سوريا ستعمم مشهد غاراتها المتكررة في جرود عرسال على حدودها مع لبنان الشمالي المحاذية لتل كلخ، والتي كانت تشكل في وقت من الأوقات معابر غير شرعية لمرور السلاح والمسلحين، في ظلّ إرباكات سياسية من جهة وسقوط الكثير من الشعارات والأسباب التي شكلت مبرراً للهجوم على "حزب الله"، بيد أنّ سقوط قتلى من التيارات السلفية اللبنانية والاعلان عن ذلك بصورة مباشرة يؤكد مشاركة فريق لبناني غير "حزب الله" في معارك سوريا، ما يُسقِط الدعوات إلى سحب مقاتلي الحزب من سوريا والاستعاضة عنها بدعوات لسحب المقاتلين اللبنانيين من سوريا، وذلك بعد أن ثبت بالدليل القاطع مشاركة مسلحين من لبنان ومن الشمال وطرابلس في القتال بحجة "نصرة أهل السنة".

في هذا السياق، يكشف زوار العاصمة السورية عن قرارات جديدة اتخذها النظام منذ ما بعد استعادة مدينة القصير مضمونها الأول والأخير هو عدم السماح بسقوط أي منطقة أو حي علوي حتى لو كان ذلك خارج الحدود السورية ومن ضمنهم جبل محسن بين ايدي المعارضة السورية أو داعميها الاقليميين والمحليين، فضلاً عن التزامه الحرب ضد المجموعات الارهابية في أي بقعة تعتبرها سوريا حديقة خلفية أو خاصرة رخوة للأمن السوري الاستراتيجي، خصوصاً أنها تعتبر لبنان بمثابة امتداد أمني وسياسي لها بصورة قطعية لا يمكن التراجع عنها لأسباب تتعلق بالأمن السياسي والقومي السوري، لا سيما في المنطق الواقعة على تخوم الساحل السوري حيث يرسو الاسطول الروسي، وحيث اكتشافات الغاز الطبيعي.

ما يعزز هذا الاعتقاد، هو اعتبار سوريا أنّ ضمان لبنان لامن سوريا يقع في صلب الاتفاقات الأمنية والدفاعية المعقودة بين البلدين منذ ما بعد اتفاق الطائف، والتي تعززت في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي وهذا ما يعطيها الحق بالتصرف استناداً إلى هذه الاتفاقيات طالما أنها لم تلغ بعد ولم يتم ابلاغ الحكومة السورية بوقف العمل بمضمونها مع الاشارة إلى أن حكومات لبنان التي تعاقبت على الحكم منذ ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري لم تتطرق إلى هذه الاتفاقيات لا من زاوية الالغاء ولا من باب التعديل ما تعتبره سوريا موافقة ضمنية على استمراريتها.

مهما تكن وجهة النظر السورية وتلك اللبنانية، فإنّ الثابت الوحيد الذي أكده سقوط ​قلعة الحصن​ هو مشاركة لبنانيين في القتال على الجبهات السورية الساخنة ما سيشكل دفاعا متينا لـ"حزب الله" ولحلفائه الذين أطلقوا بالامس القريب دعوات لانسحاب جميع المقاتلين اللبنانيين من سوريا.