لم ينجح رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في اعادة كل الأطراف اللبنانية الى طاولة «الحوار الوطني» في الواحد والثلاثين من آذار الماضي، وغاب عن هذه الجلسة العديد من الأطراف الأساسية، هم الرئيس سعد الحريري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار المردة النائب سيلمان فرنجية ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان.

ورغم انعقاد الجلسة بمن حضر وصدور بيان ختامي يشيد بتشكيل الحكومة الجديدة ويدعو للاستمرار بالحوار وتحديد موعد جديد للجلسة المقبلة في الخامس من شهر أيار المقبل، فإنّ التقويم الأولي لهذه الجلسة يشير الى الفشل في تحقيق الهدف الأساسي، وهو «الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية»، اضافة إلى التراجع عن التزام «إعلان بعبدا» الذي سبق لمؤتمر الحوار ان أعلنه، وبروز قضايا وملفات ساخنة جديدة تحتاج للمعالجة.

كذلك إن اقتراب نهاية ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال سليمان والدخول في مرحلة اجراء الانتخابات الرئاسية ما بين 25 آذار و25 أيار المقبل، يؤكد عدم امكانية تحقيق نتائج عملية للحوار الحالي بانتظار انتخاب رئيس جديد يتولى إدارة الحوار حول كل الملفات الساخنة التي يواجهها لبنان اليوم.

فما هي أسباب فشل جلسات الحوار وصعوبة تحقيق انجازات مهمة في الجلسة المقبلة؟ وما هي أبرز القضايا والموضوعات التي تتطلب اليوم إجراء حوار وطني موسع وعدم الاكتفاء فقط ببحث ملف الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله؟

أسباب فشل الحوار

بداية ما هي الأسباب الواقعية والحقيقية التي أدت لفشل جلسات مؤتمر الحوار في الوصول الى اتفاق حول الاستراتيجية الدفاعية والتراجع عن «اعلان بعبدا» الذي أعلنته طاولة مؤتمر الحوار في 25 أيلول من عام 2012؟

لا بدّ من الاشارة بداية إلى أن الدعوة لعقد «مؤتمر حوار وطني» أو «طاولة حوار» أطلقها الرئيس نبيه بري في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبروز بعض المشاكل حول المحكمة الدولية والحكومة خلال عهد الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة أواخر عام 2005 وقبل حرب تموز 2006. وقد حققت جلسات الحوار تلك عدة نتائج مهمة، ومنها الاتفاق على إقرار المحكمة الدولية ومعالجة السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها، وبدء النقاش الجدي حول الاستراتيجية الدفاعية.

لكن اندلاع حرب تموز 2006 وما تلاها من أزمة سياسية داخلية أوقفا الحوار الوطني الى حين أحداث 7 أيار 2008 وانعقاد الحوار الوطني في الدوحة والاتفاق على انتخاب الرئيس ميشال سليمان وقانون الانتخابات وتشكيل حكومة وطنية جديدة. وبعد انتخاب سليمان تولى الدعوة لعقد جلسات الحوار التي شهدت انتكاسات عديدة بسبب الخلاف حول تفاصيل المحكمة الدولية وملف سلاح حزب الله، إضافة إلى غياب الرئيس سعد الحريري بسبب الأوضاع الأمنية وقرار القوات اللبنانية بمقاطعة الحوار لعدم جدارة حسبما يقول مسؤولي القوات.

وقد تبنى «مؤتمر الحوار الوطني» في جلسته قبل الأخيرة «إعلان بعبدا» الذي دعا للنأي عن النفس في الأزمة السورية وتحييد لبنان عن خلافات المنطقة، لكن التطورات الميدانية ومشاركة أطراف لبنانية في الصراع السوري أدت الى الخلاف حول اعلان بعبدا وعدم التزامه.

وفي الأشهر الأخيرة بدأ يبرز الخلاف المباشر بين الرئيس ميشال سليمان وحزب الله حول «ملف المقاومة» وما يسمى «المعادلة الثلاثية الذهبية، أي الجيش والشعب والمقاومة»، ووصف الرئيس سليمان هذه المعادلة «المعادلة الخشبية»، والرد القاسي من حزب الله عليه.

ويضاف إلى ذلك اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وتراجع حظوظ الرئيس سليمان بالتمديد، كل هذه التطورات أدت الى شعور العديد من الأطراف الأساسية بعدم جدوى العودة للحوار حالياً كما ان التطورات المشاركة في لبنان والمنطقة وخصوصاً ما يجري في سوريا من أحداث وبروز ملفات جديدة للنقاش كل ذلك أدى إلى فشل الجلسة الأخيرة ولم يحصل حوار حقيقي حول الملفات الساخنة وتقرر تأجيل الجلسة الى الخامس من أيار المقبل، أي قبل 20 يوماً من نهاية ولاية رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان، ما يشير إلى عدم امكانية حصول أي تقدم في الحوار في العهد الحالي.

القضايا الساخنة

ومع توقع فشل «مؤتمر الحوار الوطني» في تحقيق أية انجازات مهمة في ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان وقبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما هي القضايا والملفات التي تستحق الحوار اليوم؟ وهل يجب ان يقتصر الحوارفقط على موضوع الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله؟

مصادر سياسية مطلعة تعتبر «ان حصر الحوار حالياً وفي المستقبل فقط حول الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله لم يعد مناسباً، لأن هناك قضايا أخرى استجدت تتطلب حواراً حقيقياً ومعمقاً وذلك للتوصل الى اتفاق شامل بدل التركيز على ملف واحد».

وتعدد هذه المصادر سلسلة من الملفات والقضايا التي ينبغي الحوار حولها بعد انتخاب الرئيس الجديد ومنها (اضافة إلى ملف سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية):

1- الأزمة السورية وتدخل الأطراف اللبنانية في هذه الأزمة وتداعياتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

2- مستقبل النظام السياسي اللبناني بعد تقويم تجربة اتفاق الطائف وكيفية استكماله أو تطويره للوصول الى حلول واقعية للأزمات التي يواجهها لبنان سياسياً وشعبياً بين فترة وأخرى.

3- قانون الانتخابات الجديد والتوصل الى مشروع يحقق التمثيل الصحيح للجميع ويمهِّد لنقل لبنان من النظام الطائفي الى النظام اللاطائفي.

4- الملف الفلسطيني وسلاح المخيمات والسلاح خارج المخيمات واعادة بحث القرارات التي اتخذت سابقاً من أجل تطبيقها.

5- معالجة الواقع الأمني المتدهور في كل المناطق اللبنانية والبحث في كيفية إعادة سلطة الدولة.

6- دور لبنان على مستوى المنطقة وكيفية التوفيق بين مواجهة العدوّ الصهيوني وبين الابتعاد عن المحاور الخارجية.

7- السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المستقبلية في ضوء تحول لبنان الى دولة نفطية مستقبلاً.

وتختم المصادر السياسية:

هذه بعض الملفات والقضايا الساخنة التي تتطلب حوار وطنياً ومعمَّقاً، ويمكن بدء عقد جلسات ولقاءات على مستوى الخبراء أو قادة الصف الثاني للقوى الحزبية والسياسية، مع اشراك ممثلي المجتمع المدني والنقابات في هذا الحوار ومن خلال ذلك قد يحقق الحوار الوطني نتائج عملية.

لكن مع إدراك هذه المصادر صعوبة هذا الطرح اليوم، المهم عدم الاكتفاء بعقد جلسات بروتوكولية والتوجه نحو الحوار الحقيقي الذي ينقذ لبنان من أزماته.