رغم صعوبة الموقف التركي في الداخل والخارج، الا أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان فعلها واستطاع أن يحسم الانتخابات المحلية بشكل مغاير عن كل التوقعات التي اطلقت قبلها.

لا شكّ أن احداث مدينة "تقسيم" اثرت على مجريات الانتخابات، وعلى "الفاتح الجديد" الأردوغاني. وبالاضافة إلى هذه الأحداث، فإنّ الوضع الاقليمي، الذي شهدته منطقة الشرق الاوسط، أثر أيضاً؛ خصوصا بعد أن فشلت سياسة اردوغان الخارجية بمجرد سقوط المشروع الاخواني الذي ينتمي اليه في كل من تونس ومصر وسوريا.

وإذا ما دققنا بما سبق الانتخابات المحلية، من تسريبات وتطورات في الشمال السوري، سنجد أنّ ربط هذه الامور بانتصار حزب "العدالة والتنمية" كان امرا طبيعيا. فأردوغان عمد إلى أن يبقي في يده أوراقا تجعله في قلب المعادلة الاقليمية مهما كانت التغيرات. وعلى اعتبار أنّ الازمة السورية هي الاقرب الى تركيا جغرافيا، فلا شك أنه استطاع ان يجمع في يده أكثر من ورقة قوّة في هذا الخصوص.

وعلى اعتبار أن سوريا هي الساحة الاكثر سخونة في المنطقة لما تشهده من صراعات اقليمية ومحلية ودائما دولية، سنجد أنّ هذه الازمة ارتبطت احداثها السياسية بدعم تركي كبير، ومن هنا فانه لا يمكن فصل الاحداث في اللاذقية وخصوصا في كسب - المدينة الارمنية - عن الاوراق التي يستخدمها اردوغان لتثبيت نفسه كلاعب اقليمي. فالحملة التي شنتها المعارضة على ريف اللاذقية بدعم لوجستي عسكري مباشر من تركيا أدّت إلى استنفار الدولة السورية بشكل ارادت عبره إعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة باسرع وقت ممكن.

كما أنّ التسجيلات التي تم تسريبها عن المسؤولين الأتراك حينما يحاولون إيجاد مدخل يسمح لهم بالتدخل العسكري في سوريا، وما سبقه من اسقاط طائرة سورية، يؤكد ان ايجابيات هذه الاحداث في الداخل التركي ستكون أقوى وأهم لاردوغان مما قد ينتجه هذا الفعل في الرأي العام العالمي، فالتقارب في وجهات النظر بين السلطة السياسية والعسكرية في تركيا، هو ما كان يشغله قبيل الانتخابات الفرعية.

وفي هذا السياق، أكدت مصادر لـ"النشرة" أن "المعارك التي يشهدها ريف اللاذقية اليوم تحظى باهتمام ودعم تركي كبير، وخصوصا أن الجماعات الموجودة في الشمال السوري هي من اصول شيشانية، وهي نفسها الجماعات التي كانت تدعمها تركيا تاريخيا في صراعها مع روسيا".

فتركيا تجني ثمار هذا الدعم التاريخي في السابق للجماعات الاصولية في القوقاز، من خلال تثبيت نفوذها في الشمال السوري، وخصوصا في حلب وريف اللاذقية. إلا أنّ القيادة السورية قررت انهاء ما يجري في اللاذقية باسرع وقت ممكن لتتحول الى معركة "حلب" ساعية في ذلك لتضييق الخناق على اليد التركية المستفيدة من استمرار الازمة.

ولفتت المصادر نفسها إلى أن "الجيش السوري وبمؤازرة من حزب الله بدأ بالفعل معركة تحرير اللاذقية وتحديدا مدينة كسب، واستطاعا استعادة المرصد 45 الاكثر استراتيجية، كما ان حدة المعارك في كسب أدّت إلى مقتل قائد حركة شام الاسلام والمسؤول عن المقاتلين القادمين من المغرب العربي أبو احمد المغربي والى مقتل عدد كبير من عناصر المعارضة المسلحين باستهداف الجيش تجمعات لهم في قرى القصب والزويك".

في الوقت نفسه كانت المفاجأة أن الجيش السوري و"حزب الله" انطلقا في عمليات نوعية في حلب، واستطاعا أن يسيطرا على كتيبة الدفاع الجوي في "الطعانة" قرب المدينة الصناعية بحلب، ما مهد الطريق لسقوط المدينة المذكورة بشكل كامل بعد معارك عنيفة.

ومن هنا فان الضربة الاقوى يمكن أن يتلقاها التركي في سوريا هو ببدء "أم المعارك" حلب بشكل كامل، وما قد ينتج عنها من كشف عن مصير المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، اللذين خطفا من قبل جماعات ذات اصول شيشانية، على غرار ما جرى خلال معركة القلمون حين أطلق سراح الراهبات بعد الضربات المتلاحقة لـ"حزب الله" والجيش السوري. وبالتالي فان حسم النظام السوري لهذه المعركة وما قد يستتبعها من اكتشاف لمصير المطرانين، قد يشكل خسارة كبيرة لاردوغان في إحدى أهمّ الاوراق التي يمتلكها في هذه الايام، وخصوصا بعد ان فُضح تدخله في كسب المدينة الارمنية وما للموضوع من حساسية وصراع قديم قد يهدّد مستقبل هذا الرجل الذي أراد أن يبقى الرقم الاصعب في المنطقة.

فهل يكون ادروغان قد أسرع في كشف اوراقه من اجل انتخابات محلية؟ وهل سينجح من الاستفادة من عنصر الوقت والمماطلة في الازمة السورية لحين الانتخابات الرئاسية التي يعتزم ان يكون من خلالها رئيسا لتركيا؟