بات من الطبيعي أن يوظف كل فعل أو رد فعل يجري في سورية بانتخابات الرئاسة في البلاد التي من المفترض ان تحصل في موعد الإستحقاق المصادف في حزيران المقبل أو تموز إذا طرأ ما يدفع إلى التأجيل إن أمنياً أو لوجستياً ،يتعلق بانجاز مرحلة التحضيرات، لهذه الإنتخابات التي من الممكن أن تشكل عنصر الحسم الأكبر للحرب التي أكملت السنوات الثلاث من عمرها.

ما يشير إلى هذه الإستنتاجات هو الضغوط السعودية التي ما زالت تراهن على تغيير واقع الميدان، في حين أنه ليس في صالح جماعاتها المسلحة، عبر السعي الحثيث لمدها بالسلاح "النوعي" كالصواريخ المضادة للدروع أو تلك التي تسقط الطائرات، لكن ما كان قدم من هذه الأنواع لم يثبت فعاليته في مناطق أخرى كانت زودت جماعاتها المسلحة بها، إذ تركت في مكانها بعد أن لاذ من كان يفترض أن يستخدمها بالفرار.

القرار السعودي – الأميركي الذ تم التوصل إليه خلال زيارة رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، إلى الرياض واجتماعه بالملك "العليل" ووليي عهده في روضة خريم حيث المنتجع الملكي، خلص الى أن يصار إلى ضخ السلاح الذي قد يغيّر من مجريات المعارك بعد دراسة لائحة (تشكيلة) منه، لا تشكل خطراً على الأمن الدولي في حال تسلمها المقاتلون الذين لا ثقة بهم، خاصة أنه تم تجميعهم من العديد من الجنسيات العربية والغربية. لكن ما يؤكد عليه القرار هو أن المعركة يجب أن تتواصل وبضغط أكبر للحؤول دون تمكين الحكومة السورية من إجراء الإنتخابات الرئاسية في هذه المرحلة لمنع تجديد الشرعية للرئيس السوري بشار الأسد الذي يشكل بقاؤه أو عدمه عنواناً للإنتصار أو الهزيمة ليس فقط في سورية بل في المنطقة والعالم.

لم تكن الإختراقات التي حصلت عبر الحدود التركية لمنطقة كسب في ريف اللاذقية سوى جزء من عملية وضع المعوقات أمام إجراء الإنتخابات الرئاسية في سورية، ومنها أيضاً العودة إلى فتح جبهات جديدة بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها الجماعات المسلحة في مناطق عديدة لا سيما جبال القلمون في ريف دمشق وحلب بشمال البلاد، ما أدى إلى انهيار عسكري ومعنوي بالغ لدى تلك الجماعات وداعميها الإقليميين والدوليين. ومن تلك الجبهات "الموعودة" منذ زمن، والتي يتم التحضير لها بقوة هذه المرة هي تحديدأ في منطقة درعا عبر الحدود الجنوبية لسورية مع الأردن . تلك الجبهة التي من الممكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بحيث تتجاوز النيران حدودها والتي يحاول الأميركيون منذ أشرفوا على تدريب وتجهيز أكثر من 1000 مقاتل في محيط عمان، خوض الحرب في تلك المنطقة باعتبارها الأقرب إلى العاصمة دمشق حيث تصبح تحت رحمة المعارك ما يقوض كل الجهود الحكومية ويشل المركز.

من المعلوم أن الأميركيين تسلموا قيادة العمليات مباشرة عبر الأردن بعد سقوط مدينة القصير في حزيران 2013 بأيدي الجيش السوري وحزب الله اللبناني، كما كانوا توعدوا بشن هجوم واسع النطاق على سورية حددوا موعده في تشرين الثاني من العام نفسه إلا أنهم تراجعوا تحت وطأة الخوف من انفلات الأمور من عقالها والغرق في أتون حرب قد لا تبقي ولا تذر على مستوى المنطقة وربما العالم الذي انهارت كل "مواقفه" بعد تلك الواقعة في ريف حمص، ليبرز الأميركيون من جديد بنفس الموقف أخيراً حيث يقاربون معركة الجنوب بحذر شديد نتيجة التداخل الجيوسياسي للمعركة هناك لقربها من حدود فلسطين المحتلة، وامكانية تورط "تل أبيب" الذي سيجر إلى حرب تعرف واشنطن جيداً أن أطرافها على استعداد كامل لخوضها، في حين أن المعلومات التي توفرت لحزب الله منذ ما قبل قيام الحكومة اللبنانية أكدت أن الإسرائيليين يعدون لشيئ ما ضده في لبنان من دون إسقاط احتمال استهدافه داخل الأراضي السورية. لكن الولايات المتحدة قررت على ما يبدو خوض معركة الجنوب السوري في محاولة أخيرة لتغيير قواعد الإشتباك على أن لا يخرح عن ضوابطه.

لقد نجح السعوديون في انتزاع ذلك من الرئيس الأميركي لدى زيارته المملكة، خاصة وأن القوة التي تم تجهيزها تتصف بـ"النظامية" البعيدة عن الأسلوب الذي اعتمدته الجماعات المسلحة في ممارسة الإرهاب والعنف الأعمى، وأدى إلى تفكك الموقف السياسي الدولي وصولا إلى إجراء تغييرات كبرى في قيادة الحرب أبرزها ما جرى في دولة قطر وعلى مستوى إدارتها السعودية بين رئيس الإستخبارات بندر بن سلطان ووزير الداخلية محمد بن نايف.

ما تقوله مصادر "محور الممانعة" هو أن العمل جار لإجراء الإنتخابات الرئاسية السورية في موعدها انطلاقاً من قاعدتين، الأولى أن المعادلة التي فرضت نفسها في بداية الحرب في سورية والتي تقول إن المعارضة تسيطر على ما نسبته 70% من الأرض قد انقلبت حالياً بنسبة مئة بالمئة، مؤكدة أن القوات الحكومية باتت هي التي تسيطر على تلك النسبة مقابل 30% للجماعات المسلحة المعارضة.

وتضيف أن القاعدة الثانية هي أن سورية ما زالت تحتضن أكثر من ثلاثة أرباع سكانها ما يعني أن الأغلبية المطلقة قادرة على المشاركة في عمليات الإقتراع وأن 40% من المكون الأساسي في المجتمع السوري تؤيد من دون أدنى شك الرئيس الأسد الذي يشكل المرشح الوحيد بعيداً عن كل التصريحات حول التمسك به أو عدمه، لأن لا شخصية حيادية تستطيع تولي الحكم في ظروف لا حيادية فيها.