يسوع في كفرناحوم في الطريق الى اورشليم (مرقص 2)، إنه في البيت والناس تزدحم حوله ودائماً الناس تزدحم حوله، طالبةً الشفاء وسماع كلمته. "أتوه بمخلع يحمله أربعة رجال". ولأن الطقس حار فيسوع جالس على "السطيحة" الخارجية والناس لم تترك مكاناً حوله لأحد. حاملو المخلع لم يستطيعوا الوصول اليه. فصعدوا الى السطح "وكشفوا" السقف فوق يسوع "كشحوا" العريشة فوق "السطيحة" ودلّوا المخلع الممدد على الفراش.

إنه الإيمان، الإيمان ينقل الجبال، الإيمان هو الذي يخلّص ويشفي. وكم سأل يسوع: "المؤمن، أتؤمن؟" والناس كانت تعتقد ان الخطيئة تسبب المرض. وفاجأ يسوع الجموع وبدل أن يشفي المخلّع، قال مغفورة لك خطاياك. فاندهش الحضور وتساءلوا من يستطيع أن يغفر الخطايا إلاّ الله فمن يعتقد نفسه هذا؟ فهو يجدّف. والمخلّع المطروح أمامه آتٍ ليشفى من مرضه وليس لتغفر خطاياه. وعرف يسوع ما يدور في بال الجمع حوله فعاد وقال للمخلّع: لكَ أقول قم احمل فراشك واذهب الى بيتك. لتعرفوا ان ابن الانسان له القدرة أن يغفر الخطايا وأن يشفي من المرض. قال للمخلّع، قم احمل فراشك واذهب الى بيتك.

هذه الكلمة "قم" تتردد كثيراً في الإنجيل فالابن الشاطر قال في نفسه: "اقوم" وأمضي الى ابي. والناس قالوا للأعمى "قم" انه يدعوك. لذلك علينا أن نقوم، أن نقف ونمشي إلى يسوع. لكن قبل أن يقوم المخلّع "حمله" أربعة اشخاص. من هنا أهمية أن "يحملنا" الآخرون أن يساعدوننا ويعينوننا للذهاب إلى يسوع. وهذا لا يكون الاّ بالرحمة والمحبة والمغفرة والمصالحة والرقة والتشجيع. كل واحد منّا انسان مخلّع، مفكك، ناقص، معطوب في مكان ما من نفسه أو جسده. فهل نجد من يحمل ضعفنا ويأتي بنا إلى يسوع؟ من هنا حاجتنا للآخر ليحملنا ويحمل ضعفنا ويقبل بنا الى يسوع أم ان هذا الآخر لا "يطيقنا" ولا يقبل بنا وبضعفنا، ومعطوبيتنا ليساعدنا للوصول إلى يسوع فلا يتركنا على الدرب حيث عرّانا لصوص الدنيا، وكالسامري الصالح، يحملنا ويساعدنا لنذهب الى الشفاء والقرب من يسوع.

فهل أنا اليد الممدودة للمساعدة للوصول إلى قرب يسوع يشفي الأوجاع والمرض والخطيئة أقوم وأمشي؟ معونة الآخر تقربني من يسوع بدل من أن تدمرني في نفسي وجسدي وصيتي وكرامتي. كل واحد منا بحاجة لآخر يحبه ويحمله. الآخر هو جسر العبور بنا إلى يسوع بالرحمة والرقة والوداعة واللطف والعطف على ضعفنا البشري وجرحنا وكسرنا النفسي والجسدي. الضعف البشري، والمعطوبية الانسانية عنصران أساسيان في جسدنا وسلوكنا وحيادنا فهل نجد من يحملنا إلى يسوع؟ من هنا مسؤوليتنا عن بعضنا البعض أمام الله والناس.

هل نجد من يعطينا كأس ماء لنشرب؟ نلتقي بذئاب حولنا تنهش لحمنا وتشرب دمنا. أم اننا نصادف قساوة القلب والكراهية والحقد والحسد والضغينة والرفض؟ فنسمع كلام اشعيا يدوّي قائلاً: "كرهت ذبائحكم وقرابينكم لأنكم لا ترحمون". فنحن من دون محبة نحاس يطن أو صنج يرن كما قال بولس الرسول. نعيش في رتابة طقوسية تكرّم الله. شفاهنا وقلبنا بعيدان عنه. لأننا لا نحب أخانا الإنسان ونكذب عندما نقول اننا نحب الله. وجرح خطيئتنا ينيرُ وينزف فينا كالبرص والطاعون يأكل جلدنا ولحمنا. شفاؤنا يكون بالقرب من يسوع بالمحبة والإيمان والصلاة و​الصوم​ ومحبة الآخر بالتوبة والاعتراف والمناولة. لأن المحبة وحدها تجعل منا أبناء لله واخوة ليسوع ونشهد بها اننا تلاميذ يسوع وبهذا يعرفنا العالم. تخلّصنا وتفكك أوصالنا يشفيهما الحب. لنقوم ونعود إلى الآب إلى الله الذي هو محبة.

قم انه يدعوك! انت النازف، أنت الأبرص، أنت الأعمى، أنت العائش مع الخنازير، أنت المخلّع، انت المدفون كلعازار.

أنت المباع كيوسف،

أنت المضروب بالمرض كأيوب.

أنت التائه في الصحراء كموسى.

أنت البائع جسدك كيهوديت.

أنت الراقص كسلومي طالباً رأس يوحنا على طبق.

أنت الغاسل يديك كبيلاطس من دم الأبرياء.

أنت الحامل كيهوذا كيساً فيه ثلاثين من الفضة ومعلقاً رقبتك بحبل في التينة،

أنت المنتظر صياح الديك كبطرس

انت المشكك كتوما،

أنت الصارخ: دمه علينا وعلى أولادنا.

والواقع عن الحصان كبولس وتسأله من أنت؟

هل طبعت جراحاته في قلبك، ويسوع ينازع كما يقول باسكال، ينازع طوال الليل من أجلك وهو خائف، يعرق دماً يصرخ قائلاً ان كان يستطاع ان تبعد عني هذه الكأس.

إلهي، إلهي لماذا تركتني؟ لتكن مشيئتك، لقد تمّ والتحمت أوصالي وها أنا آتٍ الى فرح اللقاء بيسوع وبالآخرين.

لقد حملتني المحبة الى القيامة من موتي وغربتي ويأسي وكآبتي. «الأنا» مدينة مغلقة. الأنا وحدها اعدام لذاتنا قبل ان تكون اعدام للآخر. من هنا أهمية ادراكنا ان الأنا «هي بالحقيقة «أنا-أنت». أنت تجعل مني حاملاً معنى لوجودي وبالحب والاحترام تجعلني أغتني بك وبنظرتك اليّ. عيناك هما الأفق الذي يأخذني إلى الخروج من مدينتي المغلقة المسكرة إلى رحاب الوجود. أنت تحملني إلى ذاتي وإليك وإلى يسوع. ان غاب وجودك عني فأنا انسان ملغى في وحدتي وغربتي. إحملني بحبك وسر بي إلى يسوع.

* أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام