مجموعة دول في المنطقة تشهد انتخابات نيابية أو رئاسية في أوقات متقاربة. واللائحة حتى الآن تضم: لبنان وسورية ومصر والعراق.

ونتوقف، في هذا المقال، بتحديد أكثر عند لبنان وسورية.

والمفارقة الكبيرة والبارزة تكمن في أن بعض الدول العربية تجرى فيها الانتخابات إلا لبنان الذي أرجأ موعد إجراء انتخاباته النيابية لثلاث مرات متتالية بعدما مدد نواب المجلس الحالي لأنفسهم ثمانية عشر شهراً قائلين بعدم إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها لأسباب أمنية وغيرها من أسباب غير معلنة.

في ما يتصل بالانتخابات الرئاسية، انقضى الأسبوع الثالث على تحديد جلسات انتخاب رئيس جديد، ولكن حتى الآن لم يتمكن مجلس النواب من الالتئام لانتخابه، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، والأعذار واضحة: عدم التفاهم على شخص الرئيس الجديد الذي يجب أن يخلف الرئيس الحالي العماد ميشال سليمان، وذلك قبل 15 أيار (مايو) الحالي كموعد نهائي.

وقياساً على ما جرى وعملاً بالانقسام العمودي الحاصل، سيكرر مجلس النواب فشله في التمكن من انتخاب رئيس جديد. فالأعداد متساوية (تقريباً) بين المعسكرين الرئيسيين القائمين (8 و14 آذار) وعدم تمكن أي فريق من اختراق الآخر للحصول على أصوات ثلثي مجلس النواب (86 صوتاً). لذا، يسعى العماد ميشال عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح (27 نائباً) إلى أن يطرح نفسه كرئيس «وفاقي»، وحذار أن تستعمل كلمة «توافقي» لأنها تعكس «رجل التسوية»، وهذا ما يرفضه البعض ويسعى إلى التلاعب بالتوصيفات الكلامية والتمسك بعبارة «لمرشح الوفاقي».

والموعد الجديد الذي حدد لعقد جلسة انتخابات الرئيس الجديد هو يوم الخميس المقبل، من دون بروز معطيات جديدة تؤكد إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري المهم وسط الانقسام القائم في الكتل التي يتألف منها البركان اللبناني. لكن، وبمعزل عن انتخاب رئيس جديد، على أهمية الحدث، هناك الكثير من الخطوات التي يحتاج إليها الوطن كضرورة عاجلة، وأولاً، مطلوب استراتيجية دفاعية وطنية ضد الزحف السوري إلى الأراضي اللبنانية. وفي هذا المجال هناك الكثير من المعلومات التي تبعث على القلق الأكيد نتيجة تدفق هذه الأعداد الكبيرة هرباً من «الجحيم الأمني» السائد في مختلف المناطق السورية.

فأعداد النازحين العابرين الحدود الشرعية منها، وغير الشرعية بلغت أرقاماً مخيفة وفق إحصاءات المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، والتي تقدر العدد بما يزيد على مليون وأربعمئة ألف شخص، الأمر الذي يرتب على لبنان الكثير من الأعباء الحياتية التي تتخطى طاقاته وإمكاناته، وسيرتفع هذا الرقم إلى ما يقرب من أربعة ملايين نازح مع نهاية 2015.

في هذه الأثناء هناك معاناة حقيقية للبنانيين من شدة ارتفاع أعداد النازحين السوريين ومنافستها غير المشروعة وغير المتكافئة مع الأيادي اللبنانية العاملة. ومكمن الخطر أنه مع تزايد أعداد النازحين تزايد عدد الجرائم وحدث «كساد» في الطلب على العامل اللبناني، لأنه أعلى كلفة قياساً بالعامل السوري. ويطول الحديث عن الأعباء الإضافية التي شكلها وجود هذا الحشد الكبير من السوريين في مختلف الأراضي اللبنانية. فمثلاً لا حصراً، هناك خضوع عشرات الآلاف من السوريات لعمليات الولادة والاهتمام بالتالي بالعدد الإضافي من الأطفال، وهذا النوع من الخدمات المجانية لا يحصل عليها حتى بعض اللبنانيين.

على أن الأخطر ما تشهده المناطق اللبنانية من «عمليات بيع وشراء بين الفتيات السوريات بأسعار متدنية جداً»، إضافة إلى جرائم تعجز أجهزة المكافحة اللبنانية عن مواجهتها. وما زاد في حراجة هذا الوضع أن بعض الدول التي وعدت بتقديم المساعدة للنازحين أو للحكومة اللبنانية لم تف بوعدها إطلاقاً، ما أوجد حالة تململ، وأخضع السلطات اللبنانية لمزيد من الضغوط التي لا طاقة لها عليها. لذلك، فالمجتمع الدولي مطالب باتخاذ مبادرات عملية باتجاه تقديم مساعدات للنازحين السوريين. ثم إن الإحصاءات التي تصدرها المؤسسات الدولية تقوم على أساس أن الحرب في سورية مستمرة إلى أجل طويل.

وفي ما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية في سورية في 4 حزيران (يونيو) المقبل، فالنتائج معروفة وهي ستقضي بالتجديد للرئيس بشار الأسد، ولا نعتقد أن أحداً من المرشحين الآخرين سيحدث مفاجأة ويفوز «مخترقاً» شعبية الرئيس الأسد!

وحول هذه الانتخابات كلام ومعلومات تتصف بالدقة والخطورة وتشير إلى ما يأتي:

لن يتمكن الملايين من السوريين من المشاركة في هذه الانتخابات لوجودهم خارج البلاد، الأمر الذي يعني أنها ستقتصر على الموجودين في الداخل السوري والذين يميل العدد الأكبر منهم إلى إعادة انتخاب الأسد. ومكمن الخطر أن مثل هذا التطور يحضّر الأجواء لتطور أخطر هو «تقسيم سورية» إلى مناطق نفوذ مختلفة. فالأسد إذا لم يتمكن نظامه وعسكره وكل داعميه من استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية، فسيلجأ إلى «الجيب» الذي يتمتع فيه بالأكثرية إثر عمليات الفرز المذهبي والطائفي وحتى العرقي التي أدت إليها العمليات العسكرية المتواصلة.

وهذا الأمر يعني عملياً بداية مخطط تقسيم سورية حيث فشل النظام في استعادة المناطق التي يسيطر عليها الثوار والمعارضون، ولم يتمكن المقاتلون من الجنسيات المتعددة من الانتصار على قوات النظام فلم يبق لديهم سوى إعلان «جمهوريتهم السورية» في المواقع التي يسيطرون عليها.

وتطبيق مثل هذه الخطط لا يعد بالأسابيع أو بالشهور، بل بفترات زمنية متباعدة، ثم إن تقسيم سورية لن يصدر بقرار ولا بمرسوم، بل سيكون تكريس الأمر الواقع الذي سيأخذ بعض الوقت، وهو لن يكون الحل الأمثل بل الحل المتاح والممكن.

لكن، وحتى بلوغ هذه المرحلة سيعاني من تبقى من الشعب السوري من نتائج المواجهات العسكرية، ثم إن المعارك الأكثر ضراوة تجري منذ بضعة أشهر وحتى اليوم بين مقاتلي جبهتي «داعش» و «النصرة» ومقاتلين آخرين لا ينتسبون إلى تنظيم معين (من الشيشان إلى دول البلقان وغيرها).

أما لبنان فيقع عليه الحمل الأكبر من الأزمة السورية، وفي ظل غياب حكم جديد وقوي يفرض السيطرة على الأراضي اللبنانية كافة، سيعاني الوطن الكثير من الآفات والمعضلات نتيجة التدفق السوري.

وبالعودة إلى لبنان، من المظاهر اللافتة عدم الاهتمام بمعركة رئاسة الجمهورية، وفي غياب «الحل اللبناني» لهذه المعركة يحدث الإرباك الشديد كالذي يحصل اليوم، يضاف إلى ذلك أن الأزمة القائمة توجه الدعوة إلى أكثر من طرف للتدخل في لبنان وسط عزوف إقليمي ودولي لافت عن هذا التدخل في شأن لبناني رئيسي كرئاسة الجمهورية. فمن العوامل الملازمة هذا «الزهد الإقليمي والدولي» وعزوف دول عربية وغربية معينة كان تدخلها هو الذي يحسم الصراع حول شخصية الرئيس. فما أسباب هذا «الكساد» في الاهتمام، أو التدخل؟

لقد كان أمام صناع القرار أو من تبقى منهم أن يكون انتخاب الرئيس الجديد «من صنع محلي لبناني»، لكن تجارب الأسابيع الثلاثة الماضية أكدت سقوط «اللبننة» في هذا الاستحقاق.

وبعد...

أولاً: ما من لبناني صادق إلا ويؤيد «الصناعة المحلية» لرئاسة الجمهورية، لكن أين لبنان من هذا الاستحقاق! وأين الكتل السياسية المتطاحنة والعاجزة عن عقد تفاهم وطني يضمن إنقاذ الجمهورية من أزمة انتخاب رئيس لها؟

ثانياً: إن سقوط «اللبننة» في اختيار رئيس جديد يرغم بعض الأطراف على عرض الحال على القوى الإقليمية والدولية وكأننا أمام مرحلة استدراج العروض!

ثالثاً: على الصعيد الداخلي، تفجرت جميع القضايا المطلبية دفعة واحدة مع تولي الرئيس تمام سلام رئاسة الحكومة، وبذلك أصبح سلام حائط مبكى لجميع اللبنانيين ومطالبهم التي لا تعد ولا تحصى ولا يمكن تحقيقها كاملة في فترة زمنية محدودة.

رابعاً: مع أن الكثير من المؤشرات يوحي بأن لبنان لن يتمكن من انتخاب رئيسه الثالث عشر قبل الموعد الدستوري (25 أيار) فهناك من يتمنون، ومنهم الرئيس سلام، أن تتولى حكومته صلاحيات رئيس الجمهورية، عملاً بمنطوق الدستور اللبناني. وما انفك سلام يتحدث عن عدم الرغبة في تولي حكومته هذه الصلاحيات لأن هذا يعني أزمة حكم طويلة الأمد. كما أن السلطات التي يجب أن تمارسها الحكومة مجتمعة في حال عدم انتخاب رئيس جديد، يمكن أن توسع شقة الخلاف بين أعضائها حول بعض القضايا الخلافية، لأن الحكومة الحالية، والتي استغرق تشكيلها عشرة أشهر وعشرة أيام ستنعكس عليها الخلافات القائمة في البلاد وسيتصرف كل فريق وفق أهواء «التجمع» الذي ينتمي إليه.

لكن الرئيس سلام ماض في جعل الحكومة تتصرف كفريق عمل واحد ومتجانس حيال مختلف القضايا المطروحة عليها وأمامها.

خامساً: على عكس المرات السابقة كافة حيث كان السفراء والقناصل يتدخلون مباشرة في انتخابات رئاسة الجمهورية، فهذه المرة هناك «عزوف» من السفراء الأجانب حتى عن الإدلاء بآرائهم، ما عدا التشديد على «أن الاستحقاق لبناني مئة في المئة ويجب عدم تدخل أي طرف خارجي فيه». وهذا ما أوقع الأوساط اللبنانية في حال من الإرباك الشديد.

ينتخب لبنان رئيساً جديداً ضمن المهلة الدستورية أو لا ينتخب، فتلك مسؤولية اللبنانيين الذين يتخلون عن أدوارهم لـ «الأطراف الأخرى» وممثلي الدول الكبرى الذين يتجولون بحرية مطلقة في الشأن اللبناني، ما أدى إلى المأزق القائم.

تحب لبنان؟ إذاً... يجب أن تعرف كيف تنتخب رئيساً له قبل فوات الأوان.