لم تغب مشاهد كروم العنب والزيتون، وأراضي القمح والذرة ذات المساحات الواسعة، من ذاكرة اللاجئ الفلسطيني الحاج "أبو محمود"، الذي هُجر من قرية بربرة التي تقع بين غزة ويافا، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، هو وأهله وأبناء قريته التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي بالكامل.

الحاج السبعيني سليمان أبو عبادة (74 عاماً) من مخيم الشاطئ للاجئين، هاجر إلى غزّة وهاجرت معه ذكريات طفولته التي لا يزال يتذكر أيامها الجميلة، وعاشها في قريته التي اشتهرت بترابط أهلها الأسري التي غابت اليوم، وبساتين البرتقال والأراضي الزراعية، وتبعد 11 كيلومترًا فقط عن غزّة.

يقول "أبو محمود" في حديث إلى "النشرة": "لا زلت أتذكر طفولتي جيداً وأتذكر ما حدث معنا هناك، كان عمري 9 سنوات، حياتنا كانت جميلة، وحتى أجمل من هذه الأيام"، ويضيف: "رائحة الشمّام كُنتُ أشتمها من على بعد كيلو متر، وأتذكر كل شيء في قريتنا التي هُجرنا منا".

ويتابع: "كانت الحياة بدائية، وكنا ننتظر الشتاء أن يأتي كي نجمع المياه لنروي الأرض حتى يحل فصل الصيف".

ويحيي الشعب الفلسطيني اليوم الخميس الذكرى الـ66 لنكبة الانسان والوطن، وما زال مشتتًا في كافة بقاع الأرض، وما زال الجزء الكبير يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم تفاصيل معالم الحياة الجميلة التي عاشها الحاج سليمان في قريته التي هُجر منها، إلا أنّ مشاهد القتل ووحشية الاحتلال لم تغب عن ذكرته هي الأخرى أيضاُ، فيقول: "عندما بدأ الجميع يهاجر إلى غزة وآخرون إلى الأردن، كانوا يقولون لنا آنذاك فلسطين تم بيعها اخرجوا من هذه الأرض، ومع استمرار بطش قوات الاحتلال لم يبق لنا سوى الهجرة للهروب من نيرانه".

ويتابع وهو يجلس بين أحفاده ويستذكر مرارة الاحتلال: "معالم قريتي لا زلتُ أتذكرها، لكن قوات الاحتلال أفقدتها شكلها وكل معالمها وعاثت فيها دماراً وسوتها بالأرض بالكامل".

ويضيف: "لم نأخذ من بيتنا إلا بضع أكياس القمح ومفتاح البيت فقط، ومشينا على الأقدام مسافات طويلة، دون طعام أو شراب حتى وصلنا إلى غزة".

ويقول "أبو محمود": "حتى منتصف العام 1948 كان والدي يذهب إلى القرية من شدة شوقه، كلما استطاع، لكن الأرض سُلبت ونحن الآن مهجرون نبحث عن عودة ووطن".

ولم يكن يتصور الحاج أبو عبادة بالمطلق، ما حدث معه وأهله إبان النكبة، إذ "كنا نعيش حياة جميلة وبدائية، ولم نتصور أن نُهجر من أرضنا فهي ملكنا وحقنا".

ويضيف الحاج ودموعه بدت تسيل من عينيه: "بربرة لن تمحى من ذاكرة كل من عاش فيها، ونحن لن ننسى أرضنا، حتى أبناؤنا الذين ولدوا في غزة، عشقوا الأرض من كثرة ما تحدثنا عنها، قلوبنا وأرواحنا معلقة فيها".

ويقول: "من شدة شوقي لبربرة، أملي أن أعود إليها وأشتم هواها وهناك تنتهي حياتي".

وينهي حديثه بالقول: "هاجرنا على أمل العودة، لكن متى سنعود؟"