ابادر الى القول، بان فكرة ​المجلس الاقتصادي والاجتماعي​، ليست من بنات افكار اهل الطائف، وانما هي وليدة الفكر السياسي في الديموقراطيات العريقة، حيث فرضت التحولات الاقتصادية والاجتماعية، تحولات مماثلة في الديمقراطية الساسية، التي لم يعد بامكانها تجاهل الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية المستجدة.

والديموقراطية السياسية التي تعود جذورها الى الثورة الفرنسية سنة 1789، تستند الى مفهوم المواطن بالمطلق (LE CITOYEN) اي الكائن الذي يعيش في مجموعة بشرية، يتفاعل معها بعقلانية، ويشكل الحجر الاساسي في البناء القانوني الاساسي المعبر عنه بدستور المجتمع او الدولة.

وحق المواطن في اختيار النظام الذي يتوافق مع ارادته، ينبع من نظرية حق الانتخاب القانوني(Electorat de droit)، وهي النظرية المعروفة بنظرية السيادة المجزأة، التي تجعل من كل مواطن صاحب حق بجزء من السيادة الشعبية، أي صاحب حق في المساهة بالتنظيم الحكومي، وهكذا فكل مواطن يتمتع بالحرية الكاملة في انتخاب ممثليه، وعلى قدم المساواة مع المواطنين الاخرينوهو حق ستحيل على الدولة بان تسلبه اياه او ان تنتقى من مضمونه.

Le droit de vote est un droit qui appartient à titre originaire, à chaque citoyen, et ne peut lui être enlevé

على ان هذا المفهوم للديمقراطية يصطدم بنظرية اخرى تعرف بنظرية اخرى تعرف بنظريةالسيادة الوطنية الكاملة فالسيادة هنا هي للدولة وليست للمواطن. واذا كان لهذا الاخير حق بانتخاب ممثليه، فانه يقوم بوظيفة وطنية مجتمعية ولا يمارسها الا بمقدار ما تهبه اياها الدولة، واذا ما وجدت بانه اهل للقيام بهذه الوظيفة.

وهكذا فان الانتخاب هنا ليس حقا، ولا هو عاماً، والدولة تستطيع جعله الزاميا.

وحق الانتخاب بمقتضى هذه النظرية هو حق محدود، وذلك بالاستناد الى عدد من المعايير، بعضها مرتبط بدفع مبلغ من المال او باثبات ملكيته. فالمالك هو اكثر تعلقاً بالوطن، وبالتالي اكثر حرصاً على مصالحه، او بدرجة معينة من الكفاءة تمنحه اكثر قدرة على المساهمة في تنظيم الوطن، او بسنه او جنسه او عرقه او بمسلكيته المدنية.

ان مفهوم الديمقراطية السياسية القائم على نظرية السيادة المجتزأة، تعرض عبر تاريخه للانتفادات الكثيرة، واول هذه الانتقادات جاءت من كارل ماركس، ومن معظم اركان الحركة الاشتراكية، الذين انقضوا عليه بقوة، متبارين في اظهار خطا النظرية الفلسفية والقانونية التي يقوم عليها، متهمين اياها بانها اختارات اسهل الحلول، واعفت نفسها من البحث عن الحلول الفضلى، فجوهر موضوع السياسة، ليس المواطن بمعناه المطلق، وإنَّما هو الانسان الحقيقي، اي الانسان في وضعه الحياتي والعملي(l’hommesitué)وهذا الانسان يختلف عن " المواطن" بكونه صاحب موقع مستقل اقتصادياً واجتماعياً، وحتى جغرافياً، فهو يقوم بنشاط مهني، وينتمي الى فئة اجتماعية معينة يفترض فيه التضامن معها لوحدة المصالح وظروف العمل والدخل ومستوى العيش...

وهذا الانسان يشارك في النظام السياسي كمواطن ولكن لا يمكن التصور بان هذه المشاركة يجب بان تقتصر على ممارسة حق الاقتراع الدوري، فيكون ظهوره السياسي مجرد التماعة محصورة بلحظة الادلاء بصوته، يعود بعدها الى خدره، متخلياً عن مساهمته الوطنية والسياسية، الى ان تحين لحظة الاستفتاء التالية، غائيا في لثناء ذلك عن الحياة السياسية، خاضعا لما يصممه له الحكام، اية كانت نتائج هذا التصميم على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

من هنا نشأت فكرة انشاء المجالس الاقتصادية والاجتماعية، وهي في جوهرها تعبير عن خشبة المجتمع من استئثار ممثلي الشعب خلال ولايتهم، ومن تعرضهم للمغريات والاخطاء والشطط؟ فيفرطون خلال ولايتهم بحقوق المجتمع الذي يمثلونه.

وانشاء هذه المجالس يتوائم من الوجهة السياسية، مع اتجاهين عرفتهما المجتمعات:

ويرمي الاتجاه الاول الى استبدال المجالس السياسية بالمجالس الاقتصادية والمهنية وقد تبنته المدارس اليمنية الفاشية والاشتراكية المتطرفة في يوغوسلافيا (مجلس المنتجين) وفي ايطاليا (مجلس الاشعةChambre des faisceaux ) وفي البرتغال ( المجلس النقابيchambre corporative).

ان هذا الاتجاه يعمل على تجسيد المصالح المشتركة التي تجمع المال وارباب العمل ضمن النشاط الواحد والمهنة الواحدة، بما يضمن القضاء على التقسيم المصطنع بين الطرفين فانه يهدف الى تمثيل الانسان في اطار الحياة الاقتصادية والاجتماعية بما يتيح بروز سيادة الشعب الحقيقية.

اما الاتجاه الثاني فهو يرمي الى تمثيل الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، لاستكمال التمثيل السياسي وتوجيه هذا التمثيل نحوالمسائل الحياتية التي نعيشها مباشرة، والتي عادة ما تهملها المجالس السياسية، او لا تتقنها بالمقدار الكافي.

ان هذا الاتجاه هو الذي تبنته التيارات الاشتراكية، وهو الذي اعتمدته جمهورية : "ويمار" الالمانية، التي كانت تقيم مجلساً اقتصادية الى جانب المجلس السياسي.

ثم اخذت هذه الفكرة طريقها الى النظام السياسي الفرنسي عبر الاحزاب اليسارية، فكان لحكومة " ادوار هريو" الراديكالية سنة 1924 الفضل في انشاء المجلس الوطني الاقتصادي، الذي يتألف من اشخاص يمثلون المستهلكين والعمال والرأسماليين، والذي استمر حتى 1936، حيث اجرت عليه حكومة الجبهة الوطنية بقيادة "ليون بلوم" تعديلات جديدة الى ان جاء دستور 1946 (المادة 25) الفرنسي لينص بصراحة على انشاء مجلس اقتصادي ولا شك بان الديمقراطية السياسية المطعمة بالديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية كانت جزءاً لا يتجزأ من برنامج مجلس المقاومة الوطني، الذي وضع نصب عينيه واجب العمل على تطبيقها، فأضاف المجلس الاقتصادي الى لائحة المؤسسات الدستورية، كالجمعية الوطنية الفرنسية وجلس الجمهورية، وان بمقدار اقل من السلطات.

ومع الدستور الديغولي سنة 1958، استمر المجلس ولكن باسم معدل وهو اسمه الحالي الحالي اي المجلس الاقتصادي والاجتماعي وذلك بعد مناقشات طويلة كادت ان تقضي الى انشاء مجلس شيوخ نقابي، ثم صرف النظر عنه واستبدال بصيغة مجلس الجمهورية الرابعة حيث مثلت القوى الاقتصادية والاجتماعية والنقابية بالنسبة لاهميتها، وهذا ما يدعو الى التأكيد بان رجال الجمهورية الخامسة، اعترفوا، على غرار رجال الحكم الاشتراكي في الثلاثينات، باهمية تحقيق الديموقراطية والاجتماعية، التي لا تزال نافذة حتى الان.

ان مجرد النظر الى الفرد "كانسان" وليس "كمواطن" في المطلق، يعود الى البحث في اعادة النظر بطرق التمثيل الكلاسيكية في الأنظمة الديموقراطية، ذلك ان تحرير الانسان من اعتباره رقماً عادياً، والتفاعل نعه على انه انسان له اوضاعه الخاصة الناتجة عن اوضاعه الاقتصادية الحقيقية، لا بد من ان يساعد على اقامة نظام ديموقراطي يأخذه كما هو، ومن المنطقي ان يكون الى جانب مجلس سياسي، يتمثل فيه "المواطن" المطلق مجلس آخر يتألف من ممثلي المنتجين والتجار واي نشاط اقتصادي اخر اضافة الى رجال الفكر والاختصاص،

واذا ما استثنيت مرحلة فيشي، فان وجهة النظر الاشتراكية هي التي سادت الفكر السياسي الفرنسي المعاصر.

موقع المجلس الاقتصادي والاجتماعي وعلاقته مع الجلس النيابي

في هذا المستوى، يتساءَل الباحثون وعلماء القانون عن صاحب الحق بالاولوية والسيادة للبرلمان ام المجلس السياسي، اي للبرلمان ام المجلس الاقتصادي والاجتماعي؟

الحقيقة ان السيادة هي للبرلمان فهو ينبثق عن عملية اقتراع ديموقراطية يشترك فيها جميع المواطنين انطلاقاً من حقهم المقدس بالاقتراع او بالامتناع عنه، وهو حق لا نزاع فيه ولا مخالفة.

وهذه السيادة كانت في الماضي السحيق للملك مبررة بتمثيله للإرادة الالهية، ثم آلت بعد دحرجة التيجان، وبروز التيارات الديموقراطية، الى البرلمان الممثل للحقيقة الشعبية.

وعندما كانت هذه الديموقراطية، تتعرض للتزوير او يتحكم بها الحزب الواحد او توصف بأعضاء البرلمان النزاعات الحزبية او يغلب عليهم الاسترخاء الطبقي او يفتك بهم الفساد وايثار المصالح الخاصة على المصالح الوطنية الكبرى، فان ذلك كان يؤدي الى الثورات والانقلابات العسكرية او الى بروز قادة كان يتمخض بهم التاريخ، فيعطلون اعمال البرلمان، او يهمشون دوره، بفرض ارادتهم العلوية، او اللجوء الى عملية الاستفتاء، اي العودة الى مصدر السيادة الذي هو الشعب دون سواه كما حصل مع رجال تاريخيين عظام مثل نابوليون وديغول وعبد الناصر وحافظ الاسد.

وحتى في ظل النظام البرلماني، فغالباً ما كانت احدى المؤسسات الدستورية تطفى على الاخرين، فيتحول النظام الى نظام مجلسي يفرض فيه المجلس رأيه على الحكومة، او العكس، فتلجأ الحكومة الى بدعة المراسيم الاشتراعية، او حتى المراسيم التنظيمية، حيث تحتفظ لنفسها بالكلمة الفصل في كل ما يتعلق بادارة المجتمع، رافعة سيف الحل في وجه المجلس النيابي، ولمعالجة مثل هذه المزالق الديموقراطية، كانت تتجه الدساتير لايجاد صيغ تتعاون فيها السلطات انطلاقاً من قواسم مشتركة تتقاطع عندها الصلاحيات وتتوازن،

وما قانون محاكمة الرؤساء والوزراء الذي نص عليه اكثر من دستور، وما قانون انشاء المجالس الدستورية والمجالس الاقتصادية والاجتماعية الا للوقوف في وجه غلواء الحكام من رؤساء ووزراء ونواب وميلهم الى تحويل السلطة الى تسلط، والديموقراطية الى توتاليتارية سافرة او مقنعة...

نعم،السيادة هي للبرلمان السياسي، وما الحكومة سوى هيئة يوليها البرلمان تنفيذ قرارته ويكلفها بادارة شؤون البلاد والعباد، اما محاكمة الرؤساء والوزراء، والمجلس الدستوري فهما لحماية المجلس والحكومة والبلاد من النفوس الامارة بالسوء والتي غالباً ما تذهب بها غطرستها الى الاعتداء على مصالح الناس وعلى نصوص الدستور والقانون، وكذلك فان مجلس الشيوخ والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، هما لاستكمال ادوات الحكم او لاشتراك المناطق الريفية والهيئات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، التي لم يتسن لها الوصول الى البرلمان بما يتناسب واهميتها العددية وثقلها الاقتصادي والاجتماعي، والفكري، بعدما بات معروفا بان المجالس النيابية تنتخب على اساس جغرافي وتمثل المدن اكثر مما تمثل الريف بينما مجالس الشيوخ والمجالس الاقتصادية والاجتماعية تختار على اساس الماطق والمهن.

إنّها من المخارج الديموقراطية التي تؤمن اوسع تمثيل للشعب، وتحاول اشراك الهيئات والبلديات والمهن في اقرار المشاريع التي يحيطون بمعرفتها اكثر من أعضاء المجلس النيابي وتمس مصالحهم بصورة مباشرة.

صفة المجلس الاستشارية؟

اما بشأن الصفة الاستشارية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، فلقد حذا اتفاق الطائف حذو المجالس الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة في فرنسا، فأعطاه صفة استشارة عادية، اي ان رأيه يطلبمن قبل مجلس النواب او الحكوكة دون ان يكون هذا الرأي ملزماً لهما، ويحق للمجلس كما يحق للحكومة ان يأخذ برأيه كلياً او جزئياً او ان يرفضه برمته، ولقد جعل من هذه الصفة، وان كنا قد بينا من قبل، وجود صيغ عمليةونظريات تقول بالزامية قرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الا اننا ومع اغتباطنا بالعلنية المعطاة لهذه القرارات من خلال نشرها في الجريدة الرسمية، لافساح المجال امام وسائل الاعلام والحلقات النقابية والفكرية الاطلاع عليها وتأييدها، فيصعب بعد ذلك على المجلس النيابي تجاوزها او مخالفتها او اهمالها، لانه بذلك يكون قد ضرب باراء اصحاب المصلحة واهل الاختصاص عرض الحائط، وتعرض بذلك الى نقمة الرأي العام.

الا اننا نعجب كيف ام مشروع قانون الحكومة وللحكومة على قدم المساواة، وذلك خلافا لنص وثيقة الطائف، وللنموذج الفرنسي الذي اعتمد اساسا لمجلسنا، ولان في ذلك ما يجعل الاصل فرعا والفرع اصلا، كما فيه ما يعزز دور الاشخاص على حساب دور المؤسسات.

هذا واننا نصر على حق المجلس اقتراح الحلول والتوصيات ومعنى ذلك ان المجلس الاقتصادي يدرس المشاريع المحالة اليه لابداء المشورة، ولكنه ايضاً، يأخذ المبادرة في معالجة المواضيع الواقعة ضمن اختصاصه، حتى ولو لم تعرض عليه، والا فيكون دائرة حكومية عادية تنتظر ما تكلف به من دراسات، ويكون المجلس قد تنكر لخلفية الفلسفة والديموقراطية التي جعلت منه مؤسسة دستورية مكملةللمؤسسات السياسية، في سبيل اشراك الهيئات المهنية والفكرية على اختلافها، في كل ما يتعلق بالامور التي تعنيها مباشرة.

مهل المجلس لانجاز مهامه

اما المهل المعطات للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لدراسة موصوع معين، فلا يجوز بانيحددها رئيس الحكومة او حتى الحكومة او المجلس النيابي فقد يحظى كل من هذه الاطراف في تقدير الوقت اللازم لدراسة المواضيع المحالة الى المجلس، كما لا يجوز تحديدها قانوناً، لان الفعاليات الممثلة في المجلس بما لها من اختصاص في هذه المواضيع اكثر معرفة بها، والأفضل بان يميز بين المواضيع المحالة فيكون لبعضها طابع العجلة، فتدرس في دورة واحدة او عادية، فيمكن بان تمتد لاكثر من دورة.

حضور الوزراء اجتماعات المجلس

ولقد اعترض احد الوزراء وبحق على تاليف غرف معينة لدرس المشاريع المحالة الى المجلس، ذلك ان هذه الغرف يجب ان تشمل جميع القطاعات، اما اعتراضه على حضور الوزير المختص لجلسات الهيئة العامة للمجلس للمناقشة وابداء الرأي، مما اعتبره تنازلا من هذا الوزير، وانتقاصا من كرامة الحكومة واجهازا على الحياة الديموقراطية، فانه اعتراض في غير محله، ذلك ان اشترك الوزير في الجلسات التي تناقش موضوعا عائداً لوزارته واشتراكه في المناقشة، من شأنه ان يغني هذه المناقشة، وان يسمح له بنقل وجهة نظر الحكومة الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ووجهة نظر المجلس الى الحكومة، بما يساهم في القاء الضوء على زوايا الموضوع المطروح للمناقشة.

تمثيل كافة القوى الاقتصادية

وحول تمثيل القوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فانه يجب التأكيد على مبدئين اساسيين الاول وهو ضرورة اشراك جميع القوى الاقتصادية والثقافية الهامة في البلاد، بحيث تلتقي وتتعارف وتتبادل الاراء في همومها وشجونها، وننتهي الى ايجاد قواسم مشتركة فيما بينخا، والثاني وهو اعطاء الحق للتنظيمات الممثلة للقوى الهامة بتسمية ممثليها وربما غدا بانتخاب القاعدة لها،

ويستحسن ان يتألف المجلس من العدد الكافي لتمثيل جميع النشاطات الهامة، ولتكوين الغرف المختصة التي يتم اقرارها، بحيث تشتمل على النوعية اللازمة، ويقصد بالنوعية، ليس فقط الاشخاص الذين يتمتعون بالصفة التمثيلية، واما ايضاً الاشخاص الذين تسمح لهم ثقافتهم وخبرتهم وكفائتهم العلمية وخبرتهم المهنية الطويلة من القيام بواجب الاشتراك في مناقشة المواضيع المطروحة على المجلس بدرجة عالية من الاداء واستيعاب المشاكل التي تثيرها هذه المواضيع، والدقة في اختيار النصوص الملاءمة لها، ذلك ان الاراء التي يبديها المجلس، وكذلك دراساته وتقاريره تشكل جزءاً هاماً من مراحل اعداد القونين، وتتطلب بالتالي احاطة كاملة بهذه المواضيع شكلاً ومضموناً،

ومن اجل ذلك، فانه لمن الخير بان تخصص الحكومة لرجال الفكر والقانون والاختصاص العدد الكافيمن تقاعد وللهيئات المجلس الممثلة في المجلس كل المصلحة بان تختار لتمثيلها الاشخاص الذين يتحلون بالعلم والكفاءة والخبرة المهنية والمواصفات الاخلاقية،

وكان من الاجدر ان تنتخب القوى الحيَّة ممثليها بدلا من تعيينهم، الا ان هيئات هذه القوى الناخبة كثيرة العدد وموزعة جغرافياً، ويصعب عمليا دعوتها الى العلمية الانتخابية، مما جعل المشترع يميل الى تكليف لجانها التنفيذية، بهذا الدور، مما قد يجعل هذه الطريقة عرضة للانتقاد لكونها تقصر اختيار الممثلين على هيئات مصغرة، فيما صفة التمثيل هي حق من حقوق جماهير القوى المذكورة بمفهومها الواسع دون سواها،

كذلك فإن انتقاء الحكومة لعدد من الاعضاء سيكون موضوع انتقاد، اذ يخشى تعيين الانصار والمقربين والمحسوبين على السلطة او القائلين بسياستها، مما قد يعطل اراء ممثلي القوى الحية، وقد يشلها في بعض الاحيان وهذا ما حصل في فرنسا سنة 1989، فكيف السبيل الى محاذرته في لبنان؟

وفي فرنسا، ومنذ سنة 1981 اي منذ وصول الحزب الاشتراكي الى الحكم، واكثرية ممثلي القوى الحية، يطالبون بتغلب الطابع الاجتماعي على الطابع الاقتصادي، وهذا يعني من الناحية العملية، زيادة نسبة ممثلي العمال والمزارعين، وممثلي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والمعروف بان هذه المؤسسات تشكل الغالبية العظمى من المؤسسات الانتاجية في لبنان، ولو بدا في الاجواء الحالية ما يشير الى انها في طريق التوهين والانقراض تحت وطأة المؤسسات المتعاظمة الحجم ورأس المال.

اما ولاية المجلس فلا يجوز بان تقل عن خمس سنوات، ليتسنى للاعضاء التمرس بواجباتهم وصلاحياتهم، وان يتسع لهم الوقت الكافي لتثمير خبراتهم وتجسيدا بالعطاءات المثمرة والمطلوبة واي تقصير لهذه الولاية سيكون على حساب انتاجية المجلس وفعالية مشاركته في ايجاد الحلول الملائمة لمشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

اما بالنسبة للمشاركين في المجلس الاقتصادي فيقتضى ان يمثلوا:

1- الفاعليات المنتجة من صناعيين ومزارعين ومقاولين ومتعهدين واصحاب المؤسسات السياحية

2- عمال ومستخدمي قطاع الانتاج والخدمات

3- قطاع النقابات النظامية المعترف بها

4- التعاونيات

5- قطاع الانتاج الفكري من اساتذة الجامعات والصحفيين والكتاب والفنانيين

6- قطاع الشباب والطلبة ( والمؤسسات الاجتماعية والنسائية والثقافية غير الحكومية)

على ان تتخصص كا من هذه الفئات بالعدد الذي يتفق مع اهميتها في البلاد، وذلك بالاستناد الى بعض المعايير كنسبتهم من السكان، ونسبة مساهمتهم في الاقتصاد الوطني، ودورهم الفكري، وذلك ليس فقط على اساس الاوضاع الراهنة وحسب، وانما ايضاً في ضوء ما ينتظر لها من دور مرغوب في المستقبل.

اجتماعات المجلس

اما النظام الداخلي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فانه ينص على وجوب الانعقاد في دورتين عاديتين ودورات استثنائية، اما الدورتان العاديتان فتبدأ الاولى في 15 كانون الاول، واما الدورات الاستثنائية قتنعقد خارج هاتين الدورتين وتكون بطلب من الحكومة التي تعين مواضعيعها بمرسوم، وتكون الجلسات خلال جميع هذه الدورات علنية، تماما كما في المجلس النيابي، ويمكن للوزرائ المعنيين حضورها دون ان يكون لهم الحق التصويت.

واذا ما تأملنا في الوقت الذي تستغرقه هذه الدورات، وحجم العمل المطلوب من أعضاء مكتب المجلس، ومن أعضاء المتخصصة، لتبين لنا بانها تلتهم كامل الوقت الانتاجي للاعضاء، مما يصح معه التساؤل باستغرابعن اسباب مجانية عملهم، على النحو الذي اقره مجلس الوزراء مؤخراً لدى احالته مشروع قانون انشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الى المجلس النيابي، وهل يعقل ان يطلب من عمال ونقابيين وادباء ومفكرين واساتذة جامعيين وهم من طبقتي الفقراء والمتوسطي الحال بأن ينقطعوا عن اعمالهم وجامعاتهم بدون اي مقابل، في الوقت الذي ترتفع معه تعويضات ومخصصات اعضاء المجلس النيابي باستمرار، وقد نص الدستور على تساوي كلي المجلسين، ورأينا بأنهما متاكاملان ويهدفان لخدمة التشريع والوطن؟

مهام المجلس؟

تشمل مهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي جميع المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةالمطروحة، وتكون دراستها اما بناء لطلب الحكومة اوما بمبادرة ذاتية منه،

ان الفكرة الاساسية التي سيتند اليها نظام هذه المؤسسة الدستورية هي تلك التي تعطي لاصحاب المصالح الاقتصادية والاجتماعية منبراً رسمياً يستطيعون من خلاله التعبير عن انفسهم والدفاع عن مصالحهم ووجهات نظرهم، ويختلفون في ذلك عن أعضاء المجلس النيابي اي الهيئة الدستورية المنتجة في ان هؤلاء مستقلون عن هذه المصالح وغير مقيدين بها،

ان المهمة الموكولة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بمقتضى النصوص الدستورية والقانونية، هي مهمة مثلثة، فهي تتيح مشاركة قوى البلاد الحية في الساسة الحكومية والاجتماعية، وتسمح بدراسة المشاكل الاقتصادية والاجتماعيةالمطروحة، وابداء الرأي في المشاريع المحالة اليها، واقتراح الحلول لها، باستثناء المسائل المالية التي هي من اختصاص المجلس المنتخب كما انها تفتح طريق الحوار بين الفئات المهنية المختلفة.

ولهذه الغاية، فان المجلس يبدي آراءه، ويضع تقارير ودراسات بنتيجة مناقشات ممثلي التنظيمات المهنية والاجتماعية وذلك بعد مناقشتها واخضاعها للتصويت، لتأتي هذه المستندات معبّرة عن رأي اكثرية ممثلي هذه التنظيمات،

وبمقتضى النصوص القانونية، يوجه رئيس المجلس هذه الأراء والتقارير والدراسات الى السلطات العامة، اي رئاسة الوزراء، ورئاسة المجلس النيابي، وهكذا فان ذلك يمكن هذه السلطات من الاطلاع على نتيجة المناقشات الحرة التي تكون التنظيمات المهنية والاجتماعية قامت بها وعلى رأي أكثريتها، وطبيعة الجوامع المشتركة بين أعضائها، وتحفظات الذين عارضوها، او كان لهم حولها آراء مختلفة،

ومن الطبيعي بان تحتفظ السلطات بحريتها في تقييم هذه المستندات وفي اتخاذ القرارت بشأنها، ولكن بعد ان تكون قد ااحاطت بطبيعة ونسبة التأييد الذي به من قبل قوى البلاد الحية الاقتصادية منها والاجتماعية المشاركة في المجلس الاقتصادي وغيرها من شرائح الرأي العام والوسائل الاعلامية المختلفة.

تنظيم المجلس الداخلي؟

ان تنظيم المجلس الداخلي يشبه الى حد بعيد التنظيم الداخلي للمجلس النيابي، فالأعضاء المعينون ينتخبون رئيساً ونواباً له ومكتباًواميناً عاماً وغرف عمل.

اولاً الرئاسة والمكتب: رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي يرئس اجتماعات الهيئة العامة ومكتب المجلس، واي اجتماع مشترك للغرف، ويضع اعمال هذه الهيئات، ويتلقى المراجعات وينظم دراستها ومناقشتها داخل هيئاته، ويحيل الاراء والتقارير والدراسات الى المراجع المختصة، ويمثل المجلس امام السلطات العامة ويؤمن علاقاته معها ويقوم بوظيفة العلاقات العامة تجاه الرأي العام، فيوفر الدعاية له ويدافع عن دوره وصلاحياته.

اما مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فانه يشمل عددا من الأعضاء لا يجوز بان يقل عن اثنتي عشر عضواً، بمن فيهم ثلاثة نواب رئيس ومفوضان واربعة امناء سر.

ويقضي بان يمثل المكتب اهم التنظيمات التي يتألف منها، وتكون مدة ولايته نصف سني ولاية المجلس، اما مهامه فتشمل البت بجميع المسائل الهامة التي تتعلق بنشاط المجلس، ويضع نظامه الداخلي، ويتشاور مع التنظيمات والفرق التي يتألف منها المجلس بمواضيع المراجعات الذاتية، ويضعجداول اعمال نشاطات المجلس ويوزع تواقيع المراجعات على الغرف المختصة، ويحدد عدد أعضاء هذه الأخيرة بالتشاور مع التنظيمات الممثلة للقوى الاقتصادية والاجتماعية الحية.

(2) اما الأمين العام، فانه يسمّى بقرارٍ صادر عن رئاسة المجلس، بالاستناد الى انتخابه من قبل مكتب المجلس بالأكثرية المطلقة.

وأمّا مهامه، فهي التالية:

(1) الاشراف على حسن تنفيذ قرارات مكتب المجلس.

(2) تنظيم أعمال الفرق، والهيئات المنبثقة عنه، في ضوء النصوص، القانونية والتنظيمية التي ترعى شؤون المجلس.

(3) تنظيم وإدارة دوائر المجلس الادارية.

(4) الإتصال الدائم برئيس المجلس، وأعضاء المكتب ورؤساء الغرف، والمستشارين...

(5) يتدخل في علاقات المجلس مع الحكومة، والمجلس النيابي، والادارات العامة.

(6) يحضر اجتماعات المكتب ويدوّن محاضرها.

(1) يقوم الى جانب رئيس المجلس، الذي هو رأسه، وموجهه، ورمزه، نواب الرئيس والناطق باسمه يتولون الشؤون التي يفوضهم بها، ويرئس اكبرهم سناً ، الهيئة العامة اثناء غياب الرئيس.

وتنحصر مهام المفوضين في الاشراف على شؤون المجلس المالية.

(2) اما المين العام، فانه يسمى بقرار صادر عن رئاسة المجلس، بالاستناد الى انتخابه من قبل مكتب المجلس بالأكثرية المطلقة:

واما مهامه فهي التالية:

1- الاشراف على حسن تنفيذ قرارات مكتب المجلس

2- تنظيم اعمال الغرف والهيئات المنبثقة عنها، في ضوء النصوص القانونية والتنظيمية التي ترعى شؤون المجلس

3- تنظيم وادارة دوائر المجلس الادارية

4- الاتصال الدائم برئيس المجلس واعضاء المكتب ورؤساء الغرف والمستشارين

5- يتدخل في علاقات المجلس مع الحكومة والمجلس النيابي والادارات العامة

6- يحضر اجتماعات المكتب ويديو محاضر بها

الغرف

يقوم مكتب المجلس بتوزيع الأعمال التي تطلب من المجلس او يبادر هو الى دراستها على عدد من الغرف التي يمكن اعتبارها خلايا العمل الحقيقية فيه، فهي التي تعد ألاراء والدراسات والتقارير وترفعها الى الهيئة العامة لمناقشتها واقرارها،

ويمكن تصور عدد هذه الغرف ومهامها على الوجه التالي:

1- غرفة الشؤون الاجتماعية: وتتولى دراسة كل ما يتعلق بالتربية والتعليم والابحاث العلمية والصحة والسكان والعمالة والعمل والتدريب

2- غرفة الشؤون الزراعية: وتتولى دراسة كل ما له علاقة بشؤؤن الزراعة والرى والتموين والتعاونيات

3- غرفة الشؤون الصناعية: وتتولى دراسة كل ما له علاقة بالصحناعة والطاقة والمواد الاولية والتسويق الصناعي والتجاري

4- غرفة الشؤون الاقتصادية ةالمالية: وتتولى دراسة الاوضاع الاقتصادية والدخل القومي والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية والنقد والتدخار والتسليف والضرائب.

5- غرفة الشؤون السياحية والنقل: وتتولى دراسة المواضيع المتعلقة بالسياحة والنقل وادارة الارض والنشاطات الفنية والتقنية

6- غرفة الشؤون البيئية: وتتولى دراسة المواضيع التي لها علاقة بالبيئة والتنظيم المدني والسكن

7- غرفة العلاقات العربية والدولية: وتتولى دراسة علاقات لبنان الاقتصادية مع الخارج العربي والدولي، بما فيها المعاهدات الخارجية المبرمة والتي تقضي مصلحة لبنان بدرسها والسعي الى ابرامها.

8- غرفة التنسيق: وتتولى التنسيق بين اعمال مختلف الغرف الخرى، وتكون برئاسة رئيس المجلس او احد نوابه وبحضور اعضاء المكتب ورؤساء الغرف الاخرى.

يمكن زيادة او تخفيض عدد هذه الغرف في ضوء التطورات الاقتصادية وحجم ونمو القطاعات التي تعني بها المستقبل.

تنتخب كل من الغرف وفي مطلع كل سنة رئيسا ونائبي للرئيس، وتعقد اجتماعاتها بمعدل اجتماع واحد اسبوعيا على الاقل, ويقوم احد اعضائها, بتكليف من الرئيس بدور المقرر الذي يضع بمساعدة موظفي الغرفة التقارير قبل اقرارها في الغرفة ويعرضها ويدافع عنها امام الهيئة العامة ومجلسي الوزراء والنواب,

اما عدد اعضاء كل من الغرف, فيتحدد في ضوء اهمية القطاعات التي تعمل على دراسة مشاكلها وفي ضوء عدد اعضاء ممثلي هذه القطاعات في الهيئة العامة, ويجب ان يتراوح بين ثمانية وخمسة عشر عضواً ويمكن لاي من اعضاء الهيئة العامة حضور اجتماعات اية من الغرف والاشتراك في المناقشة, ولكن دون حق التصويت.

ولقد درجت بعض الحكومات, منها الحكومة الفرنسية على احفاظها بحق ضم بعض الاختصاصيين واصحاب الكفاءات لمدة سنة او سنتين, بم لا يتجاوز عددهم ربع عدد اعضاء كل غرفة للمشاركة في مناقشاتها, ويمكن تكليف احدهم بدور مقرر الغرفة دون ان يكون له حق التصويت

الهيئة العامة

تجتمع الهيئة العامة مرتين خلال الاسبوع الاول او الاخير من كل شهر, ويكون اجتماع جدول اعمال يوزع على الاعضاء مع كتاب الدعوة التي يجب ان تبلغ اليهم اسبوعا قبل مدة الاجتماع بثلاثة ايام على الاقل,

كذلك, فان جدول الاعمال يبلغ الى رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، واللى الوزراء الذين يشتمل هذا الجدول على مواضيع تقع في صلب صلاحيات وزارتهم ويدعى هؤلاء الوزراء الى حضور اجتماعات الهيئة العامة للاشتراك في مناقشة المواضيع التي تهمهم.

وتضع بنهاية كل جلسة محضرا تبلغ نسخة منه الى رئيس الحكومة واخرى الى الوزير المختص، وينشر ملخص عنه في وساءل الاعلام المختلفة.

وتبدأ اجتماعات الهيئة العامة الدورية بقراءة تقرير الغرفة يقوم بها مقررها، وتليها مناقشة عامة يشترك فيها ممثلون عن جميع التنظيمات التي يتألف منها المجلس، ثم مداخلة للوزير المختص ثم درس التعديلات الناتجة عن المناقشة، واخيرا التصويت على المشروع في صيغته النهائية.

طرق المراجعة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي:

هنالك مبادىء ترعى طرق مراجعة المجلس واخرى تتناول آلية العمل داخله:

1- طرق مراجعة المجلس من قبل الحكومة والمجلس النيابي:

يساهم عرض هذه الطرق المنصوص عنها في قوانين وانظمة في دول العالم توضيح نوع وحجم صلاحياته، وهنلك نوعان من طرق المراجعة: المراجعة الحكومية والمراجعة الذاتية.

أما المراجعة الحكومية، فهي الزامية في بعض الحالات واستثنائية في حالات اخرى، وتعتبر المراجعة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الزامية كلما كان الموضوع يتعلق بالتخطيط وبالقوانين – المشاريع

ويتعين على المجلس درس مشاريع التخطيط واحداً واحداً، بعد ان يكون قد استزج اراء بعض أعضائه خلال وضعه من قبل السلطات الحكومية...

ولا تتوقف صلاحية المجلس عند هذا الحد، فالحكومة ملزمة كما هو حاصل في فرنسا منذ التعديلات التي حصلت سنة 1984، باطلاعه على كيفية ونتائج تنفيذ الخطط من خلال احالتي التقارير السنوية حولها،

أما بالنسبة للقوانين – المشاريع، فان المجلس كان يبحث في المتعلق منها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كالزراعة والصناعة السياحة والعمار والتربية والتعليم الخ...

وعلى المجلس ان يضع تقريرين في السنة حول اوضاع البلاد الاقتصادية، الاول في نهاية شهر حزيران والثاني في نهاية شهر كانون الاول،

اما المراجعة الاستنسابية، فانها تتناول جميع المشاريع والقوانين التي تتصل بكافة اوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية التي تدخل في صلب مهام المجلس.

وايا كان شكل المراجعة الحكومية، فان الذي يقوم بها هو رئيس مجلس الوزراء باسم الحكومة، وله بان تعطيها الطابع العادي او الاستثنائي والمعجل، وفي هذه الحالة الاخيرة، يتعيَّن على المجلس بان يبدي رأيه فيها في مهلة شهر واحد من تاريخ تيلغها...

يبقى بان نتحدث عن المراجعة الذاتية، وهي منبثقة عن حق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بوضع يده على جميع القضايا التي تدخل في صلب مهامه، وبدراستها ومناقشتها، ولفت نظر الحكومة على الاصلاحات الضرورية الواجب اتخاذها بشأنها.

وتساهم المراجعة الذاتية التي يقتضي اشعار الحكومة بها، في اشراك ممثلي القوى الاقتصادية والاجتماعية الحية في جميع الشؤون الداخلة في صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفي اعلان رأيه بالموافقة عليها او بتعديلها واصلاحها في ضوء روئية لتنظيمات الاقتصادية والاجتماعية التي يمثلونها...

وفي جميع المراجعات، يساهم المجلس بطرق مختلفة، ومن خلال مناقشاته وارائه وتقاريره في التقريب بين وجهات النظر المتضاربة في البلاد، وبين المؤسسات الرسمية والتنظيمات الاقتصادية والاجتماعية، وبين التيارات المختلفة داخل كل من هذه المؤسسات والتنظيمات.

آلية العمل في داخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي:

ان آلية العمل في المجلس الاقتصادي والجتماعي هي التالية:

اولاً:تبلُّغ الرئيس المراجعة الوافيرة من المجلس النيابي او من الحكومة.

ثانياً: احالة المراجعة الى المكتب، الذي يضيف اليها مبادراته الذاتية، ويحيلها الى الغرفة المختصة مع تحديد المهلة اللازمة لانجاز دراستها حول الموضوع

ثالثاً: وصول المراجعة الى احدى الغرف.

تعين الغرفة مقرراً لكل موضوع وتجمع المستندات المتوفرة، ويستمع الى آراء اصحاب الكفاءات والخبرة. وبنتيجة ذلك يضع المقرر تقريراً حول المشروع يعرضه على أعضاء الغرفة مجتمعين لاقراره ثم يودع مكتب المجلس الذي يحيله الى الهيئة العامة.

رابعاً: تبدأ الهيئة العامة لاستماع الى تقرير الغرفة المختصة، يلقيه مقررها، ثم تجري المناقشة من قبل جميع القوى المشتركة اضافة الى الوزير المختص، ثم تضاف التعديلات الناتجة عن المناقشات فوراً، او بعد عرضها من جديد على الغرفة المختصة.

خامساً: وفي هذه الحالة الأخيرة، يعرض التقرير مجدداً على الهيئة العامة حيث يجري التصويت على صيغته النهائية.

سادساً: ترسل نسخة من التقرير النهائي الى كل من الحكومة ورئاسة المجلس النيابي والجريدة الرسمية، مع الحرص على اشراك وسائل الاعلام المرئية والمقررة والمسموعة، بحضور جلسات مناقشات الهيئة العامة، هذا ويفترض بالمجلس ان يضع تقريراً نصف سنوي بنتائج اعماله يودعه الحكومة والمجلس النيابي، كما يفترض في الحكومة المجلس النيابي من جهتهما، ان ينشر سنوياً النتائج التي آلت اليها أعمال المجلس الاقتصادي الاجتماعي باستشارته وتوصياته.

ان أهمية المجلس الاقتصادي والاجتماعي تكمن في دوره الحواري بين القوى الاقتصادية والاجتماعيةالحية من جهة والسلطات العامة من جهة ثانية، فالحكومة والمجلس النيابي يجدان في التعاون معه فائدة غالية جداً، ذلك ان اعماله تتسم بالجدية والموضوعية خصوصاً وان اعضاءه ليسوا من التكنوكرات وحسب ايضاً واما من الاشخاص الذين يمارسون الحياة العلمية ولا يرقى الشك الى كفاءاتهم بحكم انتمائهم الى القطااعات المهنية المختلفة.

وهو الى ذلك ينشىء علاقات مباشرة، وبالتالي تفاهما اكبر،بين ممثلي هذه القطاعات الذين يسعون من خلال مناقشاتهم الى عرض وجهات نظرهم وتحديد مصالحهم، مما يؤدي الى البحث عن القواسم المشتركة والتسويات التي تقرب بين آراائهم ومواقفهم المتناقضة دون التضحية بجوهر مطالبهم، فلا تأتي مفروضة عليهم ، بل آخذة باهمها، مما يشيّغع نوعاً من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بين مختلف الفئات التي يتألف منها المجلس.

ولا شك بأنَّ التقارير، حول آراء ودراسات المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وما تتضمنه من الطروحات المتناقضة، تساعد الحكومة والمجلس النيابي على معرفة حقيقة مواقف اصحابها، وبالتالي، على اتخاذ القرارات العملية بشأنها،

ومن جهة، فان المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وبفضل تنوع وكثافة تجارب اعضاءه اليومية، يزداد شعوراً بالثقة الذاتية، كل يوم، بانه يساهم مساهمة فعالة بالتصدي لمشاكل المستقبل، وبوضع التوصيات اليلة الى اتخاذ القرارات الكبرى التي تتفق مع مصالح جميع الفئات التي يتألف منها، والتي تتناول ليس فقط ايجاد الحلول للمشاكل الصعبة، واما ايضاً، التخطيط لمستقبل البلاد في المديين المتوسط والطويل الاجل.

والواقع، هو ان دور المجلس الاقتصادي لا يقتصر على معالجة المسائلالتي تطرحها عليه الحكومةوالمجلس النيابي، بل تساهم في تكويين وتنظيم المجالس المحلية التي يمكن بان تقيم معها علاقات وثيقة.

وليس من قبل الصدف، ان تكون المنظمات الدولية قد اوجدت في هيكليتها الادراية والوظيفية، لجاناً ومجالس اقتصادية واجتماعية، وحذت معظم الدول المتقدمة، والعديد من الدول النامية في افريقيا واميركا اللاتينية، مبدية ارتياحها للنتائج الايجابية للنتائج التي كسبتها من هذا الطريق.

اجل ان المجلس الاقتصادي والاجتماعي هو مؤسسة دستورية، اثمرت ايجابياً في فرنسا وفي الدول التي اقتدت بها فيما بعد، فوجدت في هذا الجلس اداة استشارية تمثلت فيها معظم القوى الحية التي اتخذت منه منبراً حراً لعرض آرائها ووجهات نظرها.

وبمقدار ما يكون العمل داخل هذه المؤسسات جدياً وموضوعياً، تزداد الثقة الرسمية والشعبية بها، وترتفع درجة التعاون معها، الى حد ان السلطات الفرنسية لا توفر فرصة والا تؤكد لها تثمينها للدور الفاعل الذي تقوم به، فتحيطها علماً بما اخذت به من توصياتها، ولقد قدر بان الحكومة اخذت بما لا يقل من 50% من آرائها وتقاريرها،

ومما لا شك فيه بان تواجد ممثلي الفئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تحت سقف واحد، يتيح لهم التشاور والتحاور المستمر ، سواء في اجتماعات الهيئة العامة او في اجتماع الغرف، وحتى في اروقة المجلس ومكاتبه، مما يساعد على حل معظم التناقضات فيما بينها، وصولا الى توفير مناخات الثقةوالتفاهم والاستقرار مما يعزز الوحدة الوطنية، والحياة الديموقراطيةوالاقتصادية في البلاد.

ولد ​نبيه غانم​ في بلدة صغبين بالبقاع الغربي، واتم مراحل دراسته من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة الفرير في الجميزة.

حاز غانم على 3 شهادات جامعية، فنال شهادة الهندسة الزراعية من المعهد الزراعي الوطني في غرينيون بفرنسا، كما نال اجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، اضافة الى شهادة دبلوم الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة القديس يوسف ايضا.

شغل غانم عددا من الوظائف الادارية في لبنان وخارجه، بحيث تسلم رئاسة ادارة الثروة الزراعية في لبنان من العام 1958 حتى العام 1964 ، ورئاسة مصلحة زراعة البقاع من العام 1964 حتى العام 1970، ومن ثم رئاسة مصلحة التعاون في البقاع من العام 1973 حتى العام 1992، واخيرا تم تعيينه مستشارا لمجلس ادارة بنك بيروت للتجارة من العام 1992 حتى العام 1997.

كما عيّن غانم مندوبا للبنان لدى منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر المتوسط من العام 1980 حتى العام 1993، ونائباً لرئيس المنظمة نفسها من العام 1984 حتى العام 1986.

الى جانب الوظائف الادارية، عمِل غانم في مجال التدريس الجامعي، فعمل كأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية من العام 1978 حتى العام 1995، وكأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الزراعة بجامعة القديس يوسف من العام 1978 حتى تاريخه، اضافة الى تدريسه مادة الاقتصاد الزراعي في كلية الصيدلة في الجامعة اليسوعية منذ عام 2003 حتى تاريخه. كما عمِل غانم كأستاذ زائر بمادة الاقتصاد،في معاهد الدراسات الزراعية العليا في "" ايطاليا ، "" اليونان، و"" فرنسا، خلال فترة عضويته في منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر الابيض المتوسط من العام 1985 حتى العام 1993.

للدكتور نبيه غانم مؤلفات كثيرة منها، المشكلة السكرية في لبنان عام 1966، الزراعة اللبنانية وتحديات المستقبل عام 1972، التسليف الزراعي في خدمة التنمية عام 1984، الزراعة اللبنانية بين المأزق والحل عام 1998، مشروع قانون الزراعة عام 1996، خطة "التنمية الزراعية" للبناني عام 2009، و مشروع بحيرة الليطاني السياحي.