تابع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الجلسة الخامسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من معراب. لم يكن هناك من مفاجآت، فسيناريو يوم أمس كان متوقعاً. على أبواب الفراغ، فتح «سيد معراب» باباً للتفاهم: مستعد للتنازل للجميّل وحرب إذا اقتضت المصلحة

الضباب في معراب أمس سيطر على الحالة الجوية وحدها، بيد أنه لم ينسحب على التطورات المتعلقة بانتخابات رئاسة الجمهورية. الأمور بالنسبة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أكثر من واضحة: الفراغ. هي المرة الخامسة التي يتابع فيها جعجع مجريات الجلسات النيابية لانتخاب رئيس جديد برفقة مسؤولين في الحزب وصحافيين، لكن هذه المرة في غياب منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد وشخصيات هذا الفريق. ربما يكون السبب رتابة الجلسات وعدم وجود أي تطورات تحتّم الحضور، ففضّل سعيد ملازمة أمانته، وإبقاء اجتماعاتها مفتوحة. لم يفتش الحاجز القواتي السيارات. ولم يطلب عناصر الأمن عدم اصطحاب الأغراض الشخصية الى الداخل. المصور الفوتوغرافي ألدو أيوب يعطي التوصيف الأدق «التلاميذ في رحلة مدرسية، ما يدفع الناظر الى عدم التشدد في تطبيق القوانين».

استغل الصحافيون وجود هواتفهم معهم لالتقاط صور مع جعجع، ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي. الفريق الإعلامي لـ«الحكيم» يهمّه كسر صورة السياسي التقليدي، وخلق المودة بين جعجع والرأي العام. لذلك لا مانع لديه من التقاط الصور مع الصحافيين، بل هو يرحّب بهذه «العادات».

عند الحادية عشرة والنصف يستعد جعجع لدخول مكتب مسؤولته الإعلامية أنطوانيت جعجع، حيث سيتابع الحدث. يسأل عن مسؤول جهاز الاعلام والتواصل ملحم رياشي. الأخير في مكتبه برفقة عدد من الزملاء «القواتيي» الهوى. يقرع جعجع الباب، قاطعاً عليهم خلوتهم، ويمضي معهم عدداً من الدقائق. الحديث في مكتب رياشي تركز حول زيارة جعجع لبكركي ولقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي. نقل اليهم انزعاج «سيدنا من تصرفات العماد ميشال عون ومشاركته في تعطيل النصاب»، كما تطرّق الحديث الى جلسة أول من أمس النيابية وما ستؤول اليه الامور، قبل أن ينتقل الجميع الى مكتب أنطوانيت. يصافح جعجع الجميع، مطمئناً الى أحوال كل منهم. شاشات أربع معلقة على الحائط قبالة «القائد» تنقل صورة المحطات التلفزيونية. أما للمؤسسة اللبنانية للإرسال فشاشة خاصة، عبرها يتابع جعجع أحداث ساحة النجمة. يقاوم محاولات الاعلاميات أخذ حديث مباشر منه على الهواء، كما أنه يقطع الاسئلة، عندما يشعر أن «اللقاء سيتحول الى مؤتمر صحافي». حين تلتقط الكاميرا زوجته النائبة ستريدا، يبتسم. يوحي بأنه يغار عليها عندما تمسك يد أحدهم كي تصعد الدرج، «مين بكون هيدا؟».

لم يفاجأ جعجع من عدم اكتمال النصاب، «فنحن منذ يوم أمس (أول من أمس) في هذه الأجواء»، قائلاً في دردشة مع الاعلاميين إنه لا «يوجد عند فريق 14 آذار خطة بديلة للانتخابات ما دام الفريق الآخر باقياً على موقفه»، ومشيراً الى أن «حزب الله لم يكن يريد الفراغ، ولكنه لا يقدر أن يتخلى عن حلفائه»، أي التيار الوطني الحر.

السكوت ساد المكتب، فجعجع الذي رفع صوت التلفاز يريد أن يستمع الى تصريحات النواب، خاصة «قلبي ستريدا»، كما يحلو له أن يناديها. بعد أن تنتهي من كلمتها، يخرج بهدوء من الغرفة. دقائق قليلة قبل أن يعود غارقاً بين صفحات الدستور اللبناني، «هناك فقرة تختص بالفراغ يجب أن نقرأها». يتلفّت يميناً ويساراً، ليختار من جديد الاختلاء في مكتب رياشي، استعداداً لمؤتمره الصحافي. رأى جعجع أنه «كان بالإمكان انتخاب رئيس من الجلسة الأولى، وهذا هو التصرف الطبيعي، ولكن للأسف الفريق الآخر لم يرد ذلك»، واصفاً هذا اليوم بـ«الحزين بعد مصادرة الاستحقاق». جعجع، الذي حيّا «مسؤولية» النواب الـ75 الذين شاركوا في الجلسة، قال إن فريق الثامن من آذار «لم يكن واثقاً من فوز مرشحه، لذلك عطّل إمكان أن يكون الاستحقاق لبنانياً». رئيس القوات لن يرضخ للضغوطات «التي تمارس علينا، وسنستمر مع الضنينين على البلد ومع البطريرك الذي لمستُ أنه حزين جداً وهذا ما يبدو جلياً على ملامحه، لتقليص فترة الفراغ الى أقصر فترة ممكنة والوصول الى انتخاب رئيس فعلي وجدّي للبنان». عدم الرضوخ يستوجب أيضاً «عدم إعطاء جوائز ترضية لمن عطّل النصاب، ولا سيما أنه بدأت توضع لوائح ترضية تتعلق بقيادة الجيش وعدد من التعيينات. وهذا أمر غير وارد، لأن من يرتكب الخطأ ويعطّل يجب ألا نكافئه، ونحن لن نبيع ولن نشتري، وسنستمر في التصرف وفقاً للدستور».

على العكس ممّا وصفها جعجع، لم تكن أجواء معراب حزينة. فهو تمكن بمجرد إصراره على الترشح من إقفال الطريق أمام وصول عون الى قصر بعبدا، «صحيح أننا لا نحزن، ولكن ذلك لا يعني أننا فرحون». تريد القوات فعلاً إيجاد مخرج رئاسي، لذلك أبلغ جعجع الرئيس سعد الحريري «أنه مستعد للتنازل إما للرئيس أمين الجميّل أو الوزير بطرس حرب إذا كان من مصلحة في ذلك». ولكن لا يبدو أن هذه «المصلحة» تلوح في الأفق. لا سيناريو متوقعاً للمرحلة المقبلة، «خاصة أن القرار لم يعد هنا، بل في العواصم الاقليمية».

لم ينسل جعجع خلف الأبواب سريعاً هذه المرة. حاول تمضية وقت مع كل صحافي مجيباً عن استفساراته، قبل أن تصل ستريدا وتشدّه بيده بعيداً، قائلة: «أريد أن أضعك في ضوء العديد من الأمور».