بعد نيّف وثلاثة أعوام من عمر المؤامرة الكونية ضدّ الجمهوريّة العربيّة السوريّة، يستمرّ الكلام على حلّ سياسي كمخرج وحيد ينهي الفصول الأخيرة لتلك المؤامرة.

منذ بداية محنة سورية، كانت هنالك رهانات على إسقاط النظام في غضون أسابيع أو شهور معدودة. وكانت هنالك وعود رسميّة قطعتها دول كبرى، وأخرى ملحقة بها، لتأكيد نجاح المكيدة… والمكيدة هنا لا تعني فحسب رحيل الرئيس بشار الأسد عن سدّة الرئاسة، بل تعني بخاصة إطاحة أهمّ مؤسسات الدولة السوريّة، بدءاً بالجيش العربي السوري، مروراً بالجسم الديبلوماسي، وصولاً الى الإدارات العامّة كلّها، من دون استثناء ولا تمييز.

كان المطلوب إقامة نظام بديل مفروض بسطوة عدد من الدول التي زعمت ذات يوم أنها المجموعة الصديقة لسورية، الحامية لمصالح الشعب السوري، والراعية لآماله بغد مشرق أفضل!

تطوّع نفر من أدعياء الوطنية في خدمة المشروع الدموي، راح يتجوّل سائحاً مرفّهاً بين دولة وأخرى، بين قارّة وقارّة، يتسوّل المال والسياسة والوجاهة، منتحلاً صفة تمثيله للشعب السوري!

بذريعة «الثورة» تدفقت الأموال القذرة ثمناً للخيانة، وأتخمت الميادين بأسلحة العصابات الآتية لقتال الجيش السوري أفواجاً من شذاذ الآفاق ذوي الفكر الظلامي، التكفيريين القتلة، أكلة الأكباد، باسم إمارات دينيّة يتبرّأ منها الإسلام النقي.

هؤلاء جاؤوا من كلّ ناحية وصوب، جموعاً، وعبروا حدود الجوار السوري، بخاصّة تركيا، وعاثوا فساداً في الأرض الطيّبة، قرى وبلدات، ومدناً كان أهلوها يعيشون متحابّين وينعمون بالأمان والاستقرار والرخاء، ويشكلون نسيجاً اجتماعيّاً نموذجيّاً يفاخر بهويّة واحدة، هويّة عربيّة راقية نابضة في القلب السوري.

ربما لم أقل جديداً مدهشاً في كلّ ما جرى عرضه بهذه الكلمات! غير أنه لا بدّ من العودة بالذاكرة الى الأصوات المنكرة التي كانت تدعو المقاومين الشرفاء الى الخروج من المعترك فيما لم يرتفع صوت واحد، عربي أو غربي أوروبي، ليسأل ماذا تفعل في سورية «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» ومشتقات هذه التنظيمات الإرهابيّة وتفرّعاتها؟ وهل هي حقاً موجودة في سورية، لأجل مزيد من الحريّة ومزيد من الديمقراطيّة ومزيد من السيادة ومزيد من العزّة والهناء، لفئات الشعب السوري؟

ذلك هو السؤال المطروح على معارضة الخارج بأسمائها الحركية المختلفة، كمجلس اسطنبول مثلاً، أو «ائتلاف الدوحة»، بل المطروح تحديداً على رعاة جميع التنظيمات الإرهابيّة الأخرى وما أكثرها! يمولّها الأعراب، ويتشارك في تسليحها هؤلاء، والغرب الأميركي والأوروبي.

لعلّ الانتخابات التي حملت الى سدّة الرئاسة، من جديد، بشار حافظ الأسد، شكّلت مشهداً بهيّاً ترجم الشعب السوري معانيه بمهرجانات عمّت الساحات، ولاقتها في بلاد الانتشار حالات احتفاليّة يسودها الفرح والأمل.

أما الغيظ والاكتئاب والحقد والغضب وسائر الحالات النفسيّة التي سادت معسكر الناقمين، فكانت جميعاً رديفاً للهزيمة، وتعبيراً عن المكابرة، في حضرة أكثر من عشرة ملايين «نعم» لبشار الأسد. شاء جون كيري أن يراها مجموعة أصفار، فيما هي عدد الصفعات لسياسات خارجية سقطت بالأناشيد والزغاريد والهتافات.

الحدث الذي تحقق ليس انتصاراً للرئيس بشار الأسد على الذين كانوا يعملون على رحيله فحسب، بل هو انتصار لوعي الشعب السوري، هول المؤامرة، وانتصار الثقة بالقيادة السورية رئيساً ومؤسسات وتحالفات قادرة ذات بعد استراتيجي. إنه بخاصة إسقاط السوريين قناع «البديل» الذي كان يحضر لوطنهم واكتشافهم وجه البديل الهمجي القبيح.

ماذا يعني بقاء الدولة السورية حاضرة في سائر الميادين بعد أكثر من ثلاثة أعوام؟ ماذا يعني أن يظلّ الرئيس القائد في موقعه ثابتاً ومؤيّداً بثقة شعبه رغم طول عمر المحنة؟ وماذا تعني عودة السوريين الى حضن دولتهم بعد افتضاح بشاعة البديل؟

اليوم يُقال، بإجماع الآراء، أنّ الحلّ لأزمة سورية لا يمكن أن يكون في ميادين القتال، ولا بدّ له تالياً من أن يكون حلاّ بالسياسة!

ربما يكون هذا الرأي صحيحاً بقدر معيّن! وربما لا يكون! غير أنّ الصحيح الذي لا جدال فيه هو أنّ الحلّ الذي يُحكى عنه كتب منذ زمن، أي منذ أعلن الرئيس بشار الأسد «خريطة الطريق» على مشارف مؤتمر جنيف الأول.

الصحيح أيضاً هو أنّ بعضاً كثيراً من عناوين ذلك الحلّ وتفاصيله كتب بوقائع الميدان، فهزيمة عصابات الإرهاب تكتب فصولها يوماً فآخر.

الصحيح خاصة هو ما قاله سيّد المقاومة سماحة الأمين العام لحزب الله: «إنّ أيّ حلّ لأزمة سورية يبدأ من حيث يشاء الرئيس بشار الأسد، وينتهي الى حيث يريد هذا الرئيس…».

الصحيح أخيراً أنّ سورية ليست دولة «كرتونيّة»، إنها دولة قويّة بقائدها، بقيادتها، بمؤسساتها، بتماسك شعبها وبقدرات حلفائها، ولهذه الأسباب كانت وسوف تبقى عصيّة على المكائد، مهما طال عمر المؤامرة، فإنّ عمر سورية أطول الى ما لا نهاية.