على الرغم من أن كل الأجواء كانت توحي قبل مدة بأن أزمة دار الفتوى القائمة منذ أشهر طويلة باتت في طريقها إلى الحل، بعد إنطلاق مشاورات بين تيار "المستقبل"، عبر مدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري السيد نادر الحريري، ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني عبر نجله الشيخ راغب، عادت الأزمة لتشتعل من جديد خلال الأيام الأخيرة، وتبادل فريقا النزاع إتهامات من العيار الثقيل قد تقود إلى ما هو أسوأ من الوضع القائم حالياً بسبب وجود مجلسين شرعيين.

وفي هذا السياق، كشف أحد المطلعين على المفاوضات التي كانت قائمة بين الجانبين، عبر "النشرة"، أن التواصل بدأ من خلال مساعٍ قام بها صديق مشترك لكل من نادر الحريري وراغب قباني من دون أن يؤدّي إلى أي نتيجة تذكر بالرغم من أن النقاش تناول أسباب الإنقسام القائم.

ويؤكد المصدر المطلع أن أي حلّ لم يُطرح على بساط البحث بين الحريري وقباني، نظراً إلى تمسك كل فريق بوجهة نظره بالنسبة إلى موضوع ​المجلس الإسلامي الشرعي​ الأعلى، ويكشف عن توقف اللقاءات التي كانت تجري في الفترة السابقة، ليحل مكانها التصعيد المتبادل الذي برز من خلال المواقف التي عبّر عنها كل فريق على طريقته الخاصة.

من جانبها، ترفض مصادر مقربة من دار الفتوى اتّهامها ببدء التصعيد الّذي حصل، وتشير إلى أن الفريق الآخر أقدم في الفترة الأخيرة على توقيف قرارات صادرة عن مفتي الجمهورية اللبنانية، في حين عمدت الدار إلى إلغاء التعديلات التي حصلت على الهيئة الناخبة في العام 1996، وتوضح أن الهدف من ذلك السعي أن يكون المفتي المقبل منتخباً من أكبر شريحة ممكنة.

وتشدد هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، على أن البحث مع تيار "المستقبل" من أجل الخروج من المأزق القائم توقف بشكل كامل في المرحلة الراهنة، وتشير إلى أن موعد إنتخاب خلف لقباني لم يُحدد بعد، بالرغم من أن ولايته تنتهي في الرابع عشر من أيلول المقبل، وتؤكد أن ليس هناك من نص يحدد موعد الإنتخابات لكن يجب نشر لوائح الشطب قبل 15 يوماً من موعدها.

وفي حين تتمنى هذه المصادر عدم حصول أي تصعيد في المرحلة المقبلة، بناء على البيان الذي صدر عن رؤساء الحكومة السابقين الذين إجتمعوا في السراي الحكومي، يؤكد المصدر المطلع أنه لا يجوز الإستمرار في الواقع الحالي، ويعرب عن أسفه لأن المملكة العربية السعودية لم تتدخّل لمعالجة هذه المشكلة في الوقت المناسب، ويكشف عن وجود مخاوف جدية من وصول الأمور إلى إنتخاب مُفْتِيَيْن للجمهورية يتنازعان على الشرعية في المرحلة المقبلة.

في الجهة المقابلة، لا تزال مصادر المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الممددة ولايته برئاسة الوزير السابق عمر مسقاوي، والمدعوم من قبل تيار "المستقبل" بشكل رئيسي، ترفض الكشف عن الخطوات التي سيعتمدها في الفترة المقبلة، لكنها تشير إلى أن إجتماعاً سوف يُعقد خلال الساعات المقبلة لاتخاذ قرارات ستكون مصيرية على قدر خطورة المرحلة التي وصل إليها الوضع.

وفي الوقت الذي تشدد فيه على أن قرارات المجلس ستكون شرعية حسب الصلاحيات المنصوص عنها في القانون، نظراً إلى أنه المعترف به من قبل مؤسسات الدولة اللبنانية، توقعت أن لا تصل الأمور إلى حد المطالبة بإقالة قباني رغم دعوتها له إلى الرحيل منذ الآن.

إذاً ستكون دار الفتوى على موعد مع قرارات مصيرية ستصدر عن المجلس الشرعي الممدد له برئاسة مسقاوي، لكن طريق العودة عن الإنقسام لم يعد وارداً على ما يبدو.