تعدّدت النظريّات بشأن ما يجري في العراق من أحداث مُتسارعة لم تنته فصولاً بعد، ومن أبرز ما تمّ تداوله:

أوّلاً: نظريّة المؤامرة السعوديّة والتي يَعتبر مُرّوجوها أنّ للمملكة مصلحة كبيرة في هزّ إستقرار العراق، عبر تمويل ودعم جماعات سنّية متشدّدة فيه. والأهداف تتمثّل بإضعاف نفوذ الحكومة العراقية، وبزكزكة النفوذ ال​إيران​ي والتسبّب بإلهاء النظام الإيراني بمعارك جانبية، وبتوجيه رسالة إلى الإدارة الأميركية أنّ أيّ تقارب بين واشنطن وطهران لا يُمكن أن يكون على حساب دول الخليج، ولا يُمكن أن يأتي بالإستقرار في المنطقة ما لم تكن حقوق الدول الخليجيّة والقوى والتيّارات المؤيّدة لها محفوظة. في المقابل، يَعتبر رافضو هذه النظريّة أنّ المملكة السعودية لا تملك تأثيراً مباشراً على الجماعات المسلّحة التي تحرّكت في العراق، وأنّ إتهامات التمويل - وإن صحّت، فهي جزئيّة ومحدودة ومن قبل أفراد مُتَموّلين وليس من جهات رسميّة، والمملكة السعودية لن تُكرّر أصلاً خطأ "بن لادن"، بمعنى أنّ تَمويلها أيّ جماعات مسلّحة متطرفة قد ينقلب عليها في أيّ وقت، حيث قد تنقل هذه الجماعات إرهابها وتفجيراتها إلى داخل الأراضي السعودية في المستقبل.

ثانياً: نظريّة المؤامرة الإيرانيّة، والتي يَعتبر مُروّجوها أنّ لإيران مصلحة كبيرة في إيجاد المُبرّر لدخول عسكري مباشر إلى الأراضي العراقيّة. والأهداف تتمثّل بإيجاد الذريعة لتدخّل ميداني للقوات الإيرانية داخل الأراضي العراقيّة لتعزيز نفوذها الإقليمي، وبالعمل على ضرب الجماعات السنّية المتشدّدة داخل العراق، من جهة لإخضاعها كلياَ، ومن جهة أخرى لمنعها من توفير أيّ دعم يُذكر للمعارضة المسلّحة داخل سوريا عبر الحدود المشتركة. ومن ضمن الأهداف كذلك تثبيت "الهلال الشيعي" الذي يمتدّ من الحدود الإيرانية مع كل من أفغانستان وباكستان مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان وتحديداً إلى الحدود الجنوبية مع إسرائيل. في المقابل، يَعتبر رافضو هذه النظريّة أنّ إيران تملك نفوذاً حاسماً في بغداد منذ الإجتياح الأميركي له في العام 2003، وهي لا تحتاج لذرائع أمنيّة لتعزيزه. كما أنّها لن تقوم بالطبع بأيّ عمل من شأنه رفع مستوى الإحتقان المذهبي في العراق والمنطقة، لأنّ هذا الأمر لا يَصبّ إطلاقاً في مصلحتها، ولا يخدم مشروعها للسيطرة الإقليمية والتي تجهد لإعطائه منحى سياسياً وليس مذهبياً.

ثالثاً: نظريّة المؤامرة الأميركيّة-الإسرائيليّة، والتي يَعتبر مُروّجوها أنّ للولايات المتحدة الأميركية مصلحة مباشرة في ضرب تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي تسعير الصراع المذهبي بين الشيعة والسنّة، وفي إيجاد كل الظروف المناسبة لمواصلة خطط تقسيم دول المنطقة، ومنها العراق، إلى كيانات صغيرة وضعيفة على أساس عرقي أو مذهبي تتنازع في ما بينها إلى ما لا نهاية على النفط والمياه والنفوذ وغيرها من الملفّات. في المقابل، يَعتبر رافضو هذه النظريّة أنّ إسرائيل قد تكون مستفيدة من أيّ تقسيم أو نزاعات في محيطها، لكن أميركا هي التي تسبّبت بجيشها بإنقلاب الحكم في العراق، وبنموّ النفوذ الإيراني بعد إسقاط حكم صدّام، ما يعني أنّ عودة أيّ جماعات متشدّدة مناهضة لأميركا إلى بسط سيطرتها في العراق يُسقط كلياً ما كَلّف واشنطن في الماضي القريب آلاف القتلى وبليارات الدولارات. كما أنّ الإدارة الأميركية تعمل حالياً عبر قنوات التفاوض والإتصال المباشر على التفاهم مع إيران، وعلى إيجاد قواسم تعاون مشترك مستقبلي بين واشنطن وطهران، ومن غير المنطقي أن تًفرّط بكل ذلك، وهي أصلاً لا تملك القدرة على تحريك تنظيم "​داعش​" ليكون ورقة مساومة أو ضغط بيدها.

رابعاً: نظريّة إلتقاء المَصَالح بين كل من تنظيم "داعش" الذي يملك أجندة مذهبيّة يعمل على تطبيقها عبر الأعمال الأمنية حتى لو كانت إرهابية الطابع، ومجموعات من حزب "البعث" العراقي والجيش العراقي المُنحلّين تعاني من الإضطهاد منذ سنوات طويلة، وبعض العشائر العراقية التي ترفض التهميش اللاحق بها على يد السلطات الحاكمة، الأمر الذي شكّل ضغطاً مفاجئاً على الجيش العراقي الجديد وغير المُتمرّس بالعمليّات القتاليّة، والذي يُعاني أصلاً من إختراقات على مستوى عدد كبير من ضبّاطه. كما لعب الأكراد دوراً مُسهّلاً لما حصل من سيطرة سريعة لمسلّحي "داعش"، وذلك كردّ على حكومة نوري المالكي التي تضغط على القيادات الكردية لمنعها من إستثمار النفط في كثير من المناطق المتنازع عليها، وفي طليعتها في محافظة كركوك وفي محافظة نِينوَى. في المقابل، يَعتبر رافضو هذه النظريّة أنّ وجود سُخط إزاء الحكومة العراقيّة من قبل العديد من الأطراف داخل العراق وحتى في "كردستان-العراق" ليس بالأمر الجديد، وهو لا يؤدّي بأي شكل من الأشكال لهذا التغيير الميداني الكبير على مستوى السيطرة الأمنيّة، ما لم تكن توجد مسبقاً خطة كاملة البنود والأهداف ومعدّة بإتقان سلفاً.

في الختام، بين نظريّة المؤامرة السعوديّة ونظريّة المؤامرة الإيرانيّة ونظريّة المؤامرة الأميركية-الإسرائيليّة وحتى نظريّة إلتقاء المصالح، الكثير من الإشاعات والأقاويل من دون إثباتات دامغة، لكن الحقيقة الثابتة الوحيدة أنّ العراق وبعد مُضيّ أكثر من عشر سنوات على إسقاط حُكم الديكتاتور صدام حسين لا يزال يُعاني من حال عدم إستقرار أمني خطير، ومن صراعات سياسية ومذهبيّة بامتدادات إقليميّة متشعّبة، ومن نزف بشري يحصد مئات الضحايا شهرياً. وما قام به مُسلّحو تنظيم "داعش" أخيراً، وبغضّ النظر عن الجهة التي تقف وراءه وتلك التي إستغلّته أو ستستغلّه في المستقبل، لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، ولن يزيد حال التقسيم المذهبي والعرقي إلا ترسيخاً، ولن يجلب إلا المزيد من المآسي للعراق ولشعبه وللمنطقة بأسرها.