إنشغلت الأوساط الإعلامية المصرية والعربية في الساعات الأخيرة، بالمعلومات التي تحدثت عن أن التشكيل الوزاري الجديد في مصر، والذي من المتوقع أن يحلف اليمين الدستورية في الساعات القليلة المقبلة، لا يتضمن وزيرا للإعلام، في خطوة إعتقد الكثيرون أنها مقدمة لفتح باب الحريات الإعلامية على "أرض الكنانة" واسعاً، لكن في الحقيقة الأوضاع لم تتغير بأي شكل من الأشكال.

يُشبّه المصريّون الوضع الجديد لوزارة الإعلام في بلادهم بـ"الوكالة من غير بوّاب". لن يكون هناك وزيرٌ للاعلام في الحكومة الجديدة لكن أجهزة الوزارة ستبقى قائمة، في حين لا تزال مخاوف العاملين في المجال الإعلامي كبيرة كون الغموض سيد الموقف حالياً.

إجراء قانوني لا أكثر

لم يكن التعديل الجديد صادماً بالنسبة إلى الإعلاميين المصريين، فالدستور الجديد ينص على إلغاء وزارة الإعلام وتشكيل مجلس وطني بعد موافقة مجلس الشعب على القوانين التي ستنظم قواعد عمل هذا المجلس، لكن كان من المفترض أن يسبق هذا الإجراء مجموعة من القرارات الخاصة التي لم تتخذ.

وفي هذا السياق، يوضح مدير تحرير صحيفة "اليوم السابع" المصرية ​عادل السنهوري​، في حديث لـ"النشرة"، أن الإلغاء كان مقرراً بعد تشكيل الحكومة تنفيذاً لمواد الدستور الجديد، الذي ينص على تشكيل مجلس وطني يقوم ببعض المهام التي كانت تقوم بها الوزارة سابقاً.

ويؤكد السنهوري وجود مخاوف كبيرة من أن يكون المجلس الجديد تكراراً لوزارة الإعلام، أي أن يكون تابعاً لمجلس الوزراء، ما يعني عدم حصول أي تغيير بالنسبة إلى إستقلالية الإعلام لا سيما الوطني منه في المرحلة الجديدة.

من جانبه، يلفت أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة ​صفوت العالم​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الذي حصل هو إلغاء منصب وزير الإعلام مع الإبقاء على الوزارة لا أكثر، وإستبداله برئيس إتحاد الإذاعة والتلفزيون الذي عُيِّن بمعرفة رئيس الوزراء أيضاً، ويصف الأمر بـ"التغيير الشكلي الذي أجبرت عليه الحكومة لكي ينسجم التشكيل الوزاري مع مواد الدستور".

ويرى العالم أن المشكلة الرئيسية لقرار الغاء وزارة الإعلام، هي أن وزيرة الإعلام الأخيرة درية شرف الدين لم تحضّر مؤسسات الإعلام الحكومي والخاص لذلك التحول التي جاءت من أجله منذ أن تم تعيينها سابقاً.

المخاوف لا تزال قائمة

على صعيد متصل، يُعتبر إلغاء وزارة الإعلام في أي دولة المدخل الأساس لوقف سيطرة الأجهزة الرسمية على وسائل الاعلام، لكن في مصر لا تزال المخاوف قائمة نظرًا لعدم وضوح الرؤية حتى الآن، بسبب غياب القوانين الناظمة المتوقع صدورها خلال الأشهر المقبلة.

وفي هذا الإطار، يرى السنهوري أن موضوع الحريات يتوقف على كيفية تشكيل المجلس الوطني والقانون الذي سيعمل في إطاره، لا سيما أن هذا الأمر لا يزال مبهماً كون الدستور يتحدث، كما العادة، عن الأمور بشكل عام من دون الدخول في التفاصيل، في حين أن القوانين التي ستصدر عن مجلس الشعب بعد الإنتخابات هي التي ستتولى التنظيم.

وتخوّف السنهوري من أن يكون هذا المجلس هو الأداة التي تستمر من خلالها سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام، ويشير إلى أن ذلك سيكون متوقفاً على مدى إستقلالية المجلس، ويكشف أن ردود الفعل في الوسط الإعلامي تتمحور حول المخاوف التي يتحدث عنها.

أما العالم فيقلّل من احتمال أن يؤثّر هذا القرار على صعيد الحريات الإعلامية في مصر، ويرى أن المطلوب كان فتح حوار داخل الأسرة الإعلامية من أجل وضعها على السكة الصحيحة، ويسأل: "كيف سيستطيع رئيس الإتحاد تشكيل المجلس الوطني للإعلام في ظل غياب القانون الناظم؟" ويشدد على أن الموضوع لا يزال يحتاج إلى إيضاحات مطوّلة.

وفي حين يربط العالم بين الاستقلالية والحرية، يتوقع حدوث صدام بين مواد الدستور والنظام السياسي في وقت قريب، ويلفت إلى أن استقلال الإعلام لا يأتي فجأة، خصوصًا أن هذا القرار جاء دون وضع آليات واضحة تؤدي إلى الاستقرار الإعلامي.

ويوضح العالم أن الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب يحتاج إلى ثلاثة أشهر على الأقل، وبعدها هناك ثلاثة أشهر أُخرى مطلوبة حتى ينتهي المجلس من دراسة القانون الخاص بتنظيم المؤسسات الإعلامية ونمط الملكية الخاص بالقنوات الخاصة وقانون الاستثمار.

في المحصلة، لم يحصل أي تبديل فعلي في الأوضاع الإعلامية في مصر من خلال إلغاء منصب وزير الإعلام، والأيام المقبلة ستكون كفيلة في تبديد المخاوف أو تأكيدها، إلا أن مسار الأمور الحالي لا يبشر بالخير، وكان من الأفضل لو تم الإبقاء على المنصب إلى حين وضع الآليات الواضحة التي ستنظم العمل الإعلامي.