عندما فجر الانتحاري نفسه بسيارته في الطيونة، وصلت الأنباء بسرعة الى عين التينة. الشياح منطقة محسوبة على حركة "امل". يطلقون عليها تاريخياً إسم "قلعة الحركة". الشباب يتواجدون بشكل دائم ما بين مكاتبهم الحركية الموزّعة في كل حي وشارع في الشياح وروضة الشهيدين ويتابعون مشاهدة "المونديال" في مقاهي المنطقة. كان الشباب في تلك الليلة يتابعون مباراة البرازيل. معظمهم يشجّع المنتخب الاخضر.

على الخط بقي رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتابع مع مسؤولين في الحركة ما يجري بالتفصيل. عينه على شاشات التلفزة التي كانت تنقل وقائع ما بعد الانفجار. قبل أن تصله تفاصيل ما حصل، كان يشاهد تقاطر المواطنين الى مكان التفجير. طلب فوراً من مسؤولي الحركة العمل لإبعاد الناس عن مسرح الجريمة حفاظاً على سلامتهم. كان يخشى من عمل إرهابي اخر يستهدف تجمع المواطنين.

في اليوم التالي، علم رئيس المجلس أنّ المفتش في الامن العام عبد الكريم حدرج افتدى بدمه المواطنين وبلده. والد حدرج ينتمي الى الحركة أساساً. اتصل به بري معزياً. المفاجأة كانت تصرف والد حدرج الذي بدا فخورًا بإستشهاد نجله الى حد تعجز فيه الكلمات عن التعبير، مع أنّ الشهيد عبد الكريم وحيدٌ عند أهله.

علم بري ان حدرج و زميلاً له اسمه علي جابر كانا أوقفا سيارة الانتحاري عندما اشتبها بها في الطيونة. وضع حدرج المسدس في رأس الانتحاري وطلب من زميله إبلاغ حاجز الجيش القريب بوجود مشتبه بأمره. لكن خطوات الانتحاري كانت اسرع ففجر نفسه والسيارة.

يستند بري الى حادثة الطيونة للقول ان المواطنين في لبنان على درجة عالية من المسؤولية الوطنية اكثر من الطبقة السياسية. ما حصل في الطيونة ابلغ مثال. كان المقصود من جريمة تلك المنطقة إيقاع عدد كبير من اهالي الشياح لاستدراج ردة فعل مذهبية ضد اهالي طريق الجديدة. لم يصدر اي اتهام ولا كلمة ولا ردة فعل من اي مواطن. كانت مواقف المواطنين تتمحور حول التمسك بالوحدة الوطنية ضد الارهاب.

من هنا فإن رئيس المجلس يثق بالشعب اللبناني اكثر من بعض السياسيين الذين اربكوا البلد بتصرفاتهم وحساباتهم . يجزم بري أنّ لبنان هو مقبرة التطرّف والتطييف. يقول أنّ كلّ سياسي يتطرّف ينتهي. هكذا دلت التجربة.

يصرّ بري على دعم الجيش والأجهزة الأمنية بفتح المجال للتطوع والتسليح والتجهيز. هي الأولوية لديه الآن الى حد قال فيه: "أنا فاتح دكانة لدعم الجيش في هذه الايام، كلما سألني مسؤول او موفد دولي او عربي ماذا نريد في لبنان، أجبته فورا: مساعدة ودعم الجيش والأجهزة الامنية".

يبدو رئيس المجلس على يقين بأن قوة الأجهزة العسكرية والأمنية تضبط استقرار لبنان. لن يتجرّأ بعدها إرهابي على تنفيذ جريمته بل سيحسب الف حساب. تقوية الأجهزة الامنية ستمنع الإرهابيين من الوصول الى هدفهم.

رغم ضبابية الوضع اللبناني الا ان بري يرى الوضع افضل من اي بلد اخر في المنطقة. رؤية رئيس المجلس هذه تستند الى واقع الشعب وثقته به. هذا ما كان سيقوله بري في مؤتمر المخاتير الذي كان سيتحدث خلاله في اليونيسكو قبل قرار تأجيله بسبب وجود معلومات عن مخططات إرهابية لاستهدافه.