لإعادة تشكيل أيّ سلطة متنازع عليها، يتمّ عادة تنظيم إنتخابات نيابية لتحديد أحجام القوى السياسية المتنافسة، ثم يجري توزيع المناصب التنفيذية على هذه القوى تبعاً لنتائج الإنتخابات. ومن المُتوقّع أن يضغط "التيار الوطني الحرّ" في هذا الإتجاه من الآن فصاعداً، على أن يُقابله رفض متعدّد الأطراف من منطلق أنّ هذا المنطق المثالي، لا يمكن أن ينجح في لبنان في ظلّ الظروف الراهنة، وسيتسبّب بتعميم الفراغ على مستوى الحكومة إضافة إلى الرئاسة. فكيف هي الصورة والمواقف حالياً، وما هي العقبات القانونية أيضاً؟

أوّلاً: إنّ "التيار الوطني الحرّ" مُصرّ على رفض السير برئيس "تسوية"، ويَعتبر أنّ البديل يكون بإجراء إنتخابات نيابية في أسرع وقت لتحديد الأحجام السياسية، في ظلّ نيّة لديه للتقدّم بقانون إنتخابي جديد، لكن في الوقت عينه مع إبداء الإستعداد بالمشاركة بالإنتخابات بأي قانون. وهو مقتنع أنّ الإنتخابات سترفع حجم كتلته النيابية وستؤكّد تمثيله للمسيحيّين وحقّ العماد ميشال عون بالرئاسة دون سواه.

ثانياً: إنّ "تيار المستقبل" يرفض إجراء الإنتخابات النيابية قبل الرئاسية، وموقفه الرافض هذا ينسحب على العديد من القوى السياسية الأخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، موقف "حزب الكتائب اللبنانيّة"، بينما حزب "القوات اللبنانيّة" يُبدي مرونة إزاء الأمر، ويربط موقفه النهائي بطبيعة القانون الذي ستجري عليه الإنتخابات النيابية، في ظلّ تعميمه دراسات وإحصاءات تؤكّد تقدّم شعبيّة "القوات" في المناطق المُصنّفة "مسيحيّة" بحسب الثقل الإنتخابي، وإعتباره أنّ محاولة "التيار الوطني الحرّ" تقديم الإنتخابات النيابية على الرئاسية لن يُبدّل بالتوازنات السياسية القائمة حالياً. وبالنسبة إلى باقي القوى الرئيسة، وفي طليعتها "حزب الله" و"حركة أمل" فهي تتريّث في إعلان مواقف حاسمة من هذه المسألة نظراً إلى دقّتها.

ثالثاً: الخلافات السياسية التي حالت في الماضي القريب دون إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المُفترض لا تزال قائمة، وبالتالي من المُستبعد جداً حصول توافق على قانون إنتخابات جديد، هذا إذا سلّمنا جدلاً بحصول توافق على مبدأ تقديم الإنتخابات النيابية على الرئاسية. وكل ما سبق يعني أنّ تنظيم أيّ إنتخابات نيابية – في حال حصولها، لن يُحدث أيّ تغيير في واقع التوازنات السياسية إلى درجة تسمح بفرض رئيس جمهورية عبر تأمين حضور أغلبيّة ثلثيّ أعضاء المجلس النيابي لتأمين النصاب القانوني.

رابعاً: توجد عقبات قانونيّة أمام إجراء إنتخابات نيابية في ظلّ حال الشغور في منصب رئاسة الجمهورية، لأنّ المادة 69 من الدستور تعتبر الحكومة مستقيلة في حالات مختلفة، منها "عند بدء ولاية مجلس النوّاب" الجديد. وبالتالي، في حال تقديم الإنتخابات النيابية على الرئاسية، ستُصبح الحكومة مستقيلة بحكم القانون في ظلّ غياب رئيس للجمهورية، علماً أنّ هذا الأخير هو الذي يُسمّي رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب إستناداً إلى إستشارات نيابية ملزمة، وهو الذي يُصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً، وهو الذي يُصدر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة. فمن سيتولّى عندها إعاة تشكيل السلطة، في حال الحصول على مجلس نيابي جديد، لكن من دون وجود رئيس للجمهورية وفي ظلّ حكومة مستقيلة تقتصر سلطاتها على تصريف الأعمال؟!

في الختام، يجب قانوناً أن تتم الإنتخابات النيابية في الفترة الممتدّة بين 20 أيلول و20 تشرين الثاني، أي بعد نحو ثلاثة أشهر فقط، لكن المعطيات الحالية لا تُوحي بذلك، ما يُعيد إلى الأذهان جلسة الدقائق العشر التي مدّد فيها 97 نائباً ولاية المجلس لسنة وخمسة أشهر، علماً أنّ تمديد المجلس لنفسه لا يستند إلى أيّ مادة قانونيّة أو دستور. لكنّه سيكون الخيار الوحيد المتاح في حال إستمرّ الشغور بموقع الرئاسة، وذلك تجنّباً لتحوّل هذا الشغور فراغاً على مستوى كامل السلطة التنفيذيّة.