تشهد الساحة السياسية في لبنان «طرائف» لافتة على مستوى الموقف من المقاومة، ممثّلة بحزب الله، والموقف الآخر حيال المجموعات المسلحة، الناشطة في سورية، ضدّ الدولة الشقيقة، باسم «ثورة» لم نعرف هويّتها بدقّة، لتعدّد أسمائها الحركيّة، وبسبب التباس أغراضها، وحقيقة أدوارها.

في لبنان عداء سياسيّ معلن في وجه حزب الله يتولّى شحنه وتغذيته منهجيّاً نفر من صقور قوى 14 آذار، والعداء هنا يستهدف سلاح المقاومة عبر المطالبة «بإهدائه» الى الجيش اللبناني كصيغة مهذّبة بديلة من المطالبة الصريحة بنزعه، لا أكثر ولا أقلّ، وهذه المطالبة تندرج في خانة شعار «العبور الى الدولة»!

في هذا السياق، كانت دعوة السيد سمير جعجع للحكومة «إلى اتخاذ قرار سريع لاستعادة السلاح، والقرار، الى الدولة»!

هذه الدعوة المستعجلة لاستعادة سلاح المقاومة تصدر في ظلّ الأزمنة المشتعلة، عسكريّاً وسياسياً، في عديد من دول المنطقة وأنحائها، في غزة مثلاً، وفي سورية والعراق، واليمن، إلخ… غير أنّ هذا الواقع في رأي جعجع – لا يحول دون خوض معركة إضافية في لبنان لمصادرة السلاح وتحرير القرار!

في جملة مطالب قوى 14 آذار خروج المقاومة من الميدان السوري المشتعل على خلفية الزعم أنّ حضور المقاومة في سورية كان سبباً جاذباً للجماعات الإرهابيّة الوافدة الى الميدان لتنشر أولويّة لا علاقة لها البتّة بقيَم العدالة والحريّة والديمقراطية، إذ تقتصر علاقتها بالشأن السوري على الهمجيّة، وحدها عملاً بـ»معتقد خاص» يحضّها على ارتكاب أكثر الجرائم وحشيّة في هذا العصر، وربما على امتداد العصور.

لو شئنا التعليق في هذين الجانبين، على مواقف بعض غلاة المغالين في قوى 14 آذار، لتحدثنا عن بدهيات ومسلمات لا تنطوي بالضرورة على تهمة معيّنة، لكنها بالتأكيد مثيرة لكثير من التساؤلات.

يعرف غلاة 14 آذار أنّ «إسرائيل» هي عدوّ غاصب لأرض فلسطين، وعدوّ دائم للبنان كوطن ودولة، ونموذج لمجتمع ذي خصوصيّة حضاريّة مقلقة للعدوّ لأنها نقيض كامل لمشروع «إسرائيل» بتحويل كيانها الى دولة يهودية ووطن لليهود.

في هذه الحالة تكون قوى 14 آذار كسائر اللبنانيين معارضة بداهة للكيان العدوّ… ولكنّها رغم ذلك وحين تصرّ على طلب المستحيل لناحية ما يتعلق بسلاح حزب الله، فهي تلاقي موضوعيّاً، أي من دون قصد، مصلحة العدوّ!

أما في حالة الاعتراض على دور «الحزب» في الميدان السوري، فإنّ بعض صقور 14 آذار الذين لم يستنكروا يوماً تدفّق الجماعات التكفيريّة الى ذلك الميدان يتصرّفون تصرّف الموالين لتلك الجماعات، وهذا وجه آخر من وجوه التلاقي بين المصالح المتناقضة، ما يعود منها للإرهابييّن، وما يختصّ بالمجتهدين في قوى 14 آذار!

أما في المدى العربي والإقليمي فتبدو تلك القوى محرجة بظاهرة «داعش» كدولة «الخلافة الإسلامية» المعلنة حالاً في سورية والعراق، والتي تشمل أنحاء كثيرة من العالم، بعضها قريب جداً، وتعني لبنان ضمناً.

يحاول المغالون من قوى 14 آذار المساواة بين ما يسموّنه دولة «الولي الفقيه»، ودولة «داعش» بل وفي ما يمكن اعتباره محاولة لإيجاد الأعذار لـ«داعش» – يرون أن الأولى كانت سبباً للثانية! وبهذا المعنى صرنا نسمع كلاماً آتياً من عمق الحماقة، أو من عمق الكراهية، مؤدّاه: أنه لولا «ولاية الفقيه» لما كانت «دولة داعش»!

يلحق بهذه المحاولة الزعم بأنّ «داعش» هي صنيعة الاستخبارات السوريّة! قد تكون دولة الإرهاب والتكفير صنيعة أجهزة استخبارات، تابعة لدولة أو اكثر في هذا العالم… لكنّها حتماً ليست سورية، لأن ذلك ليس من المنطق في شيء أن تصنع الدولة الشقيقة «وحشاً» يهدّد بابتلاعها…

لو شئنا التوسّع في باب التلاقي بين المصالح المتناقضة لوجدنا أنّ المملكة العربيّة السعودية هي في طليعة الدول التي أدرجت «القاعدة» ومشتقاتها في لائحة المنظمات الإرهابية، و«داعش» واحدة منها.

غير أنّ تمدّد «داعش» ومَنْ لاقاها في أرض العراق، على حساب ما يُسمّى جوازاً بـ«جيش المالكي»، أمر لا يتعارض مع المصالح والرغبات السعوديّة! ربما وجدنا هنا سبباً يفسّر «التباطؤ» أو التردّد، بالتصدّي المباشر لهذا الخطر الذي بدأ يدقّ أبواب المملكة.

قلنا في مستهلّ هذه الكتابة إنّ ثمّة مشهداً قائماً يشكل «طرائف لافتة»… القول الصحيح هو أنّ ثمة مقدمات مقلقة، بل مرعبة، لاحتمالات مقبلة، أبوابها لصيقة جداً بأبواب الجحيم!

ذلك هو الواقع الذي يقتضي لمواجهته معالجات مناسبة، عبر الحلول الواقعية مهما تكن قاسية، المحلّي منها، والإقليمي، وأبعد… ويقتضي أيضاً لمواجهته محاذرة الوقوع في فخّ التلاقي مع ما لا نشتهي، وما قد لا تشتهيه قوى 14 آذار تحديداً…