أدت عودة الرئيس الشيخ سعد الحريري إلى لبنان الى انتعاش الآمال والطموحات بحصول معالجة أو تسويات للأزمات التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة، وخصوصاً على صعيد الانتخابات الرئاسية والنيابية، اضافة الى ترتيب الوضع الداخلي الأمني والمعيشي.

وقد تعززت هذه الآمال أيضاً بعد انتهاء أزمة عرسال وبروز بعض المعطيات الخارجية الإيجابية، ومنها اختيار رئيس جديد للحكومة العراقية، هو حيدر العبادي بديلاً من الرئيس الحالي نوري المالكي، رغم اعتراض الأخير والتهديدات التي أطلقها لمواجهة هذا القرار.

وربط بعض المحللين والسياسيين اللبنانيين هذه التطورات بعضها ببعض وبدأ الحديث عن وجود تسوية داخلية تقضي بانتخاب قائد الجيش العماد جان قهوجي أو مدير المخابرات السابق وسفير لبنان في الفاتيكان جورج خوري رئيساً وتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش وإجراء انتخابات نيابية جديدة تؤدي إلى عودة الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي والشيخ سعد الحريري رئيساً للحكومة.

واعتبر هؤلاء المحللون «ان هناك تفاهماً سعودياً - إيرانياً - أميركياً - أوروبياً يقضي بالحفاظ على الاستقرار اللبناني وبدء المفاوضات لتسوية الملفات العالقة وتوحيد الجهود لمواجهة التطورات الأمنية والعسكرية المتسارعة في المنطقة، وخصوصاً في العراق».

وأشار البعض إلى «وجود توافق بين السعودية وحزب الله على عودة الرئيس الحريري وحماية الوضع الأمني اللبناني من التدهور، وإن عودة الحريري ستؤدي إلى التعاون بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» وقوى أخرى لمواجهة أجواء التشدد والتطرف في لبنان والمنطقة».

فما هي صحة هذه التوقعات والتحليلات؟ وكيف ينظر حزب الله الى عودة الرئيس الحريري الي لبنان؟ وهل أصبحت ظروف التسوية الداخلية ناضجة أم لا تزال هناك عقبات واقعية يجب تذليلها؟

عودة الحريري وحزب الله

بداية ما هي دلالات عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان؟ وما هو موقف حزب الله من هذه العودة؟

مصادر مطلعة على أجواء حزب الله قالت «ان عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان لم تكن بالتنسيق والتفاهم مع حزب الله، وان هذه العودة حصلت بقرار سعودي وبدعم دولي وإقليمي من أجل اعادة الإمساك بالوضع السياسي اللبناني وخصوصاً على صعيد «تيار المستقبل» و«الساحة الإسلامية السنيّة»، ولا سيما بعد أحداث عرسال والمخاوف الناتجة من تمدد المجموعات الإسلامية المتشددة الى داخل الأراضي اللبنانية».

وتضيف المصادر «ان العودة ترافقت مع قرار السعودية بتخصيص مليار دولار لدعم الأجهزة الأمنية اللبنانية وتكليف الحريري الإشراف على صرف هذه المنحة، اضافة الى ما واجهه «تيار المستقبل» من انقسامات وخلافات في التعاطي مع الأحداث الداخلية، وخصوصاً أحداث عرسال، وكل ذلك يتطلب الوجود المباشر للرئيس الحريري لإعادة ضبط الوضع وبدء الحوار والتواصل مع جميع الأطراف للبحث عن مخارج للأزمات المختلفة».

وقد تعاطى المسؤولون في حزب الله ببرودة وهدوء مع عودة الحريري ولم يصدروا أية مواقف مرحبة أو مهللة باستثناء ما قاله نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في مقابلة مع تلفزيون المنار «بأن العلاقة مع الحريري وتيار المستقبل باردة والأبواب مفتوحة لكل الحوارات واللقاءات، ولكن المطلوب خطوات إيجابية تساعد في ذلك»، وان عودة الحريري لن تؤدي بالضرورة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية إذا لم يحصل الاتفاق مع العماد ميشال عون.

ودعا مسؤولون آخرون في الحزب الى عدم عقد الرهانات الكبيرة على عودة الحريري، وأكدوا ضرورة انتظار ومراقبة أداء الحريري ومواقفه من التطورات الداخلية من أجل الحكم عليها وتحديد الموقف منها. وفي مقابل حذر وهدوء الحزب، فإن شخصيات أخرى كالرئيس نبيه بري والأستاذ وليد جنبلاط وآخرين رحبوا بعودة الحريري وتمنوا أن تشكل مدخلاً لمعالجة مختلف الأزمات من البلد، ولا سيما ملف رئاسة الجمهورية واعادة تفعيل دور المجلس النيابي، تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية أو الوصول الي حلول بشأن انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، إما من خلال إجراء الانتخابات وفقاً لقانون الستين أو التمديد لفترة معينة منعاً للوقوع في الفراغ السياسي الشامل.

بين التسوية واللاتسوية

لكن هل ستؤدي عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان للإسراع بتسوية الوضع الداخلي وانتخاب رئيس جديد تزامناً مع التطورات التي تشهدها المنطقة؟

مصادر سياسية مطلعة قالت «ان عودة الرئيس الحريري الى لبنان تساعد في تعزيز الاتصالات والحوارات بين الأطراف اللبنانية لبحث كل الملفات العالقة، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية ومستقبل المجلس النيابي والأوضاع الأمنية والمعيشية، لكن ذلك لا يعني أبداً الوصول الى تسوية سريعة أو وجود اتفاق مسبق بين الأطراف الداخلية أو الخارجية». وتضيف المصادر: «على صعيد الانتخابات الرئاسية، فإن القرار الأساسي يعود للعماد ميشال عون (المرشح غير المعلن لقوى 8 آذار)، وأي موقف يتخذه عون سيحظى بدعم بقية 8 آذار، ان لجهة الاستمرار بالترشيح أو الاتفاق على مرشح بديل، ولذا لا بدّ من حصول حوار مباشر مع العماد عون، وهذا ما أبلغه السيد حسن نصر الله للأستاذ جنبلاط خلال اللقاء بينهما، وقد زار جنبلاط العماد عون لكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق».

وتضيف المصادر: «على الصعيد الإقليمي والدولي، لا توجد حتى الآن أية اتفاقات أو تسويات، ولا يزال الوضع في العراق محور الصراع والخلافات بانتظار تثبيت رئيس الحكومة الجديد والاتفاق على مواجهة التحديات المختلفة، وخصوصاً ما يقوم به تنظيم «داعش»، والعلاقات السعودية - الإيرانية لم تشهد أي تطور إيجابي بارز ورغم عقد بعض اللقاءات بعيداً عن الأضواء لم يتم الاتفاق حتى الآن على حلول واضحة للأزمات المختلفة، أما المفاوضات الإيرانية - الأميركية الغربية، فهي لم تتوصل إلى اتفاقات نهائية ان على صعيد الملف النووي أو الملفات الأخرى، ولذلك تم تمديد الاتفاق القائم والمفاوضات مستمرة وهناك اجتماعات ولقاءات تعقد، لكن الأمر يتطلب بعض الوقت للوصول الى نتائج حاسمة، والملف اللبناني قد يتأثر بكل هذه الأجواء، وإن لم يكن مرتبطاً مباشرة بها وهناك عقد ومشاكل لبنانية تحتاج الى حلول داخلية».

وتختم المصادر السياسية قائلة: «ان عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان تعتبر خطوة إيجابية وتساعد في العودة الى الحوارات واللقاءات، لكن لا توجد اتفاقيات مسبقة أو تسويات شاملة أو محددة، والأوضاع تتطلب المزيد من الحوار والنقاش للوصول الى حلول لمختلف الأزمات، وخصوصاً ملف الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية، لكن هناك اتفاق عام داخلي وخارجي على حماية الاستقرار الأمني في لبنان ومنع تمدد خطر المجموعات الإسلامية المتشددة الى داخل الأراضي اللبنانية والتعاون لمواجهة هذه المجموعات، وهذه هي نقطة الارتكاز حالياً، والملفات الأخرى لا تزال قيد البحث».