تعتبر ​مدينة طرابلس​ من أهمّ المدن اللبنانية الزاخرة بالكنوز الاثرية العائدة لكافة الحقبات التاريخية التي شهدها المشرق العربي، ومنها مزارات ومعابد دينية مسيحية وإسلامية استقطبت على مدى سنين طوال رواد المزارات ممّن اعتادوا على إطلاق النذور وزيارة هذه المزارات للوفاء بها، فأصبحت طرابلس مقصدًا للسواح من كلّ أقطار العالم عدا عن الزائرين المحليين.

تحوّلت المزارات المسيحية والإسلامية في عاصمة الشمال إلى أماكن تجتمع فيها كل الطوائف والمذاهب وبدت كلقاءات زهد وتصوف ومحبة بين كل الطوائف، ولعلّ الأحداث الأمنية التي شهدتها المدينة على مدى السنوات الأخيرة تركت آثارًا سلبية على الحركة، لكن ومنذ استعادتها لحياتها الآمنة بدأت تستنشق هذه المزارات شيئًا من حيويتها، وأصبحت أماكن تجمع ولا تفرق، يلتقي فيها المؤمنون من كل الطوائف في توحيد الله وتقديم النذور.

جالت "النشرة" على بعض هذه المزارات والبداية كانت في مزار "​سيدة يونس​" حيث تصل اليه من السوق العربي ، ثم تعبر "زواريب" متعرجة متداخلة مع بعضها في عتمة ولحظة انارة مصباح الكهرباء تشاهد الصليب المعلّق منذ عشرات السنوات على الجدار، بالاضافة الى ايقونات للسيدة العذراء ومقعد خشبي عتيق وصور القديسين وصلبان وشموع واعواد ثقاب.

القصص حول هذا المزار كثيرة حيث تقول احدى الزائرات لـ"النشرة"، ان هذا المكان المقدس ظهرت فيه السيدة لرجل من آل يونس كان يختبىء فيه خوفا من حكم الاعدام الذي صدر بحقه في عهد العثمانيين، فأنقذت العذراء حياته، ومنذ ذلك اليوم تحول مكان ظهور السيّدة العذراء الى مزار لطلب الشفاعة والمرضى. وتشير معلومات كنسية ان ايقونة العذراء يوجد منها نسخة ثانية في دير "مار جرجس" في الكورة.

وحسب بعض الروايات الشعبيّة المتناقلة أنّ مجهولين حاولوا سرقة هذه الايقونة ولكنهم لحظة خروجهم من المكان كُسِرَت اقدامهم، وهذا الامر "هو إحدى معجزات" سيدة "يونس" على ما يروي كاهن ارثوذكسي بصوت متهدّج يشوبه الإيمان والخشوع. وايضا من الروايات ان رجلا سرق الايقونة واخذها معه الى الخارج ولحظة وصوله فتح حقيبته فلم يجدها ليفاجأ بعد عودته بزمن الى طرابلس ان الأيقونة ما زالت في مكانها.

ويقول انطون طنّوس المشرف على المزار أنّ المكان يستقبل زوارا من كل انحاء العالم ومن كل الطوائف والمذاهب لطلب شفاعة العذراء، ويؤكد أنّ مزار السيدة "يونس" يعتبر اهم معلم سياحي ديني اثري في طرابلس.

إنّ هذا المزار التاريخي ذكره المؤرخ عمر تدمري في حديث عن "مزار سيدة يونس" للروم الارثوذكس حيث قال أنه يقع في جوار مسجد البرطاسي وهو بناء من العصر الصليبي، يزوره المؤمنون حتى اليوم، وتظهر الحروف اللاتينية المنقوشة على عقده. وورد أيضًا في كتاب "مساجد وكنائس" أنّ المماليك سمحوا للمسيحيين ببناء مراكز دينية لهم وكان هذا المزار الذي ما يزال محافظا على معالمه في العمارة اللاتينية وفي زخرفته والتجويفات التي تزين جدرانه حتى اليوم.

تجدر الاشارة الى ان مزار "سيدة يونس" يكاد يكون المزار المسيحي الوحيد والتابع لوقف الروم الارثوذكس في مدينة طرابلس، إلا أنّ أهميته جعلته صامدًا حتى ايامنا هذه ليكون شاهدا على تنوع المدينة وتاريخها الثقافي والديني الكبير.