لم تكن الرسالة السورية التي حملها الامين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري الى قائد الجيش العماد جان قهوجي الاربعاء الماضي، هي الاولى التي ترسلها الحكومة السورية الى حكومة الرئيس تمام سلام. فما حمله خوري الى قهوجي هو تكرار للمطالب السورية للحكومة اللبنانية بتنفيذ معاهدات التنسيق المشترك والدفاع. وتزداد ضرورات التنسيق بين لبنان الرسمي والنظام الشرعي في سورية مع استمرار الازمة السورية واستفحال الملفات التي تحتاج تعاوناً بين البلدين. وتكاد المبادرة التي قام بها وزير الخارجية جبران باسيل منذ 3 اشهر وتكليفه القائمة بالاعمال في السفارة اللبنانية بدمشق التنسيق مع الحكومة السورية في قضايا النزوح والملفات المشتركة الاخرى، هي الوحيدة منذ بدء الازمة السورية واتباع حكومة نجيب ميقاتي ولبنان الرسمي والرئيس ميشال سليمان ما سمي بسياسة "النأي بالنفس"، حيث لم يكتف سليمان وقتها بتجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قضية سماحة - مملوك بل اوعز الى سفير لبنان في سورية ميشال خوري بالعودة الى لبنان.

منذ 3 اشهر فشلت محاولة جهات لبنانية تابعة لاحدى الجهات الدينية "محاولة التذاكي" بالتنسيق مع الامم المتحدة لتمرير مشروع إقامة مجموعة من المخيمات على بعد 30 كلم من الحدود اللبنانية - السورية المشتركة لتشكل اول "منطقة عازلة" بين البلدين وداخل الاراضي اللبنانية. وقتها سمع لبنان اعتراضاً سورياً شديد اللهجة على إقامة المخيمات لمواطنين سوريين ومن دون علمه ومن دون التنسيق معه، ويرى النظام السوري ان قضايا النزوح بكل ابعادها وتفاصيلها يجب ان تبحث معه وبالتنسيق بين لبنان سورية اللذين ترعى علاقتهما اتفاقات ومعاهدات ثنائية لا يمكن القفز فوقها وتجاوزها اذا كان المقصود فعلاً تسيير امور الناس وحل القضايا والملفات المستجدة بين البلدين.

وربما من المفيد التذكير ان منذ احداث عرسال الاولى في 2 آب الماضي وحتى تاريخه اوقفت الجهات الامنية ما يزيد عن 100 إرهابي سوري ينتمون الى جهات تكفيرية ولا سيما تنظيمي داعش وجبهة النصرة ومن كل التجمعات العشوائية للنازحين السوريين البالغ عددها 1400 على مساحة الاراضي اللبنانية، وأثبتت التحقيقات الاولية مع هؤلاء الموقوفين ان بعض المخيمات العشوائية تستعمل كستار لاعمال ارهابية ونقطة انطلاق لتنفيذ اعمال تخريبية تهدف الى زعزعة الامن ونشر الفتنة بين اللبنانيين واللعب على وتر الانقسام السياسي حول سورية لاحداث شرخ مذهبي وطائفي.

ويتطابق رفض الحكومة السورية تجاوزها من قبل لبنان الرسمي في ملف النزوح مع وجهة النظر لحلفاء سورية في لبنان لجهة اعادة النازحين من لبنان الى سورية لأسباب سياسية او اجتماعية او انسانية او اقتصادية او امنية لبنانية او إقامة مخيمات داخل سورية او داخل لبنان وفي مناطق عازلة. فمن جهة لا قدرة للبنان او سورية لحماية هذه المخيمات من اية اعتداءات من الجهات التكفيرية لضمان سلامة المقيمين فيها، كما لا يمكن الجزم بعدم تحويل هذه المخيمات الى بؤر للتسلح وتخزين السلاح فيها ومحاولة حماية هذه الانشطة تحت ستار العمل الاغاثي والانساني.

سياسياً عكس وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر و8 آذار وجهة نظرهم الرافضة على طاولة مجلس الوزراء لإقامة المخيمات للنازحين داخل لبنان لاسباب عدة : منها عدم القبول بتشريع الوجود السوري وتكريسه بصيغة شبه دائمة ورعايته بصيغة اممية ورعاية الامم المتحدة وتحويل هذه المخيمات الى مخيمات إقامة دائمة شبيهة بمخيمات اللجوء الفلسطيني التي تحولت على مدى 60 عاماً الى ولاّدة ازمات لبنانية وجعلت اللاجئين الفلسطينيين عرضة للقهر والفقر والازدواجية الدولية في مقاربة القضية الفلسطينية ومحاولة فرض التوطين ومنع العودة الى فلسطين بما يتلاءم مع خطط وتوجهات العدو الصهيوني.

في ملف إعادة النازحين السوريين الى سورية بعد قرار الحكومة اللبنانية إعفاء المخالفين من ضرائب عدم تسوية اوضاعهم شرط عودتهم الى بلادهم، تحضر ايضاً الحاجة اللبنانية الرسمية الى التنسيق مع السلطات في دمشق المعنية اولاً واخيراً بمعالجة ملف حساس ويخص مواطنيها فالعودة يجب ان تتم عبر الحدود الشرعية وبعد الاطلاع على ملفات العائدين الشخصية والامنية و"تفيشيها" عند الحدود ومن ثم التأكد من الوجهة التي سيعودون اليها اكانت آمنة او غير آمنة او هي نقطة عمل عسكري او تدور فيها عمليات عسكرية بين الجيش النظامي والارهابيين بما لا يشكل خطراً على حياتهم واذا كانت آمنة هل هي جاهزة للسكن وملائمة لجهة التقديمات من كهرباء وماء وغيرهما من ظروف الحياة.

قضية المخطوفين من العسكريين اللبنانيين في يد ارهابيين سوريين وعلى الحدود المشتركة بين لبنان وسورية وكذلك معركة التصدي للارهابيين في عرسال وجرودها الى القلمون والسلسلة الشرقية، كلها قضايا ستكون حاضرة في النقاش الرسمي اللبناني والسوري فكما نجح التنسيق العسكري والامني بين جيشي لبنان وسورية في تضييق الخناق على ارهابيي عرسال منذ 2 آب حتى اليوم يفترض ان تستمر الروحية نفسها للقضاء على ما يزيد عن 10 آلاف ارهابي في عرسال وجرودها والحدود. فمن الجانب اللبناني تستمر حالة الاستنفار القصوى في صفوف مقاتلي المقاومة في القرى اللبنانية بينما نجح الجيش اللبناني في عزل عرسال عن جرودها وهي خطوة ايجابية تحتاج الى استكمال ميداني والإجهاز بعملية عسكرية واسعة على الارهابيين في الجرود. ولعل بدء العمليات الارهابية بالعبوات الناسفة ضد آليات الجيش في عرسال جرس انذار لكل الطبقة السياسية اللبنانية وتمام سلام وفريقه السياسي خصوصاً بضرورة إعطاء الضوء الاخضر للجيش للقيام بما يلزم عسكرياً للقضاء على المسلحين مهما كان الثمن.

ومن الجانب السوري يستمر الجيش السوري في محاصرة اوكار الارهابيين وتنفيذ عمليات قاصمة لأمكنة تواجد الارهابيين وكذلك اتمام عمليات المصالحة على غرار يبرود والقصير ومعضمية الشام وحمص وغيرها.

التنسيق السياسي بين لبنان وسورية امر حيوي وأساسي لحل الملفات المشتركة ولا مفر منه لمواجهة خطر التكفيريين في لبنان وفي سورية وكل ما دون ذلك نكايات سياسية وهرطقات تزيد من التوتر اللبناني وتعرض لبنان الى مزيد من الدماء والخسائر وخطر الوقوع في الفتنة.