منذ ولادتنا، نفتح أعيننا على وميض ضوء وصوت غريب يخرق آذاننا، وهذا ليس سوى صورة أو بالاحرى أول صورة تلتقط لنا، وتهمش بين أيدي الاحبة والاقرباء الذين بدورهم ينقرون عليها بكلماتهم..

نكبر وتكبر معنا الصورة وتزداد جودتها وتقنيتها وتتبعثر الكلمات.. تارة تمدح واخرى تذم، أما نحن نبقى أسرى الصور، وننسى أننا بشر، لتكبر في النهاية صورتنا على حائط يرثينا وكلمات تنعينا..

ويأتي الزمن الرديء ويأخذ معه اشلاء الصور عن ذاك الحائط الرمادي، بعدما كنا أرقامًا في سجلات النفوس المريضة أضحينا أرقامًا في مقابر الايام، ويصبح للطريق رسم وحيد، هو النهاية فيما ألوانه.. ألوان موت!

هذا ليس بجديد فمصير كل واحد منا هو الموت.. ولكن كيف للموت ألوان؟

ألوان الموت المتعارفة هي اصفرار الوجه، وشحوب القلب ومجموعة الوان عتيقة تزين اجسادنا الباهتة، ولكن هنا يكمن الخطأ الشائع، فللموت ألوان كثيرة وكل واحد منا يختار لون موته. فمنا من يسارع الى الموت بيديه وقدميه كي يحيا الاخرون فيرمي بنفسه في عشق الحرية.. لينال لون العشق السامي ويحوز وسام البطولة فيتحول الموت الى عرس وفي هذه الحالة لا يميز الموت بين رجل وانثى، فنهايتهما واحدة متوازنة، فطعم الشهادة لا يميز بين متذوقيه..

وهناك لون اخر.. لون الذل الذي يرتديه الكثير من البشر في ايامنا هذه، بل ينحتون فالعقول اغنية الخنوع والرضوخ.. فيما الموت يسكن قلوبهم في حياتهم ويأخذ ارواحهم المتهاوية على ابواب الارض وحفن المال والتراب..

اليوم نعيش حياة ميتة تأخذ في كل لحظة عشرات الناس دون تمييز بين عرقهم ولونهم، بين فتيانهم وكهولهم، بين رجالهم ونسائهم.. تأخذهم باسم الطائفية البغيضة والمذهبية الملعونة فيما نحن نتفاخر بالحسب والنسب وننسى ما هو أهم.. ننسى اننا بشر لنطلق العنان لغريزة البقاء لدينا التي لا يحكمها سوى الانانية.. فتولد الوحوش، وتتمزق لوحات الانسانية وتنتشر الوان الموت تلك في ارجاء العقول ..

اليوم لون الموت اختار اسمًا جديدًا ألا وهو: داعش!

داعش تلك الملطخة بالطائفية السوداء والمعظمة بالاعلام البغيض، داعش التي اخذت من السكين عدلا والقتل سلطة وحكام العالم اصنام، فزمن الكفر عاد، ومعه زمن تعبد الالهة الاصنام. فهذا الوحش الغربي المنشأ والعربي الهوى قد فاض بدماء الناس وارواحهم فيما الصمت يصرخ في اذان القوم ويحكم. أما تعبتم من الموت يا عرب؟ أما أهلككم بغضكم وحقدكم يا عرب؟ أما سمّكم حليب الغرب وموروثاته!

لون داعش يبحث في كل يوم عن فرشاة جديدة يلطخ بها اسمه الجديد ويلقي الرعب في نفوس من لم ترعبهم اميركا واخواتها، واسرائيل وتبعاتها.. لون بدأت تمحيه ثلة مؤمنة بقضية ووطن وحرية، ثلة آمنت بديقراطية الشعوب وقوة القلوب وخيار السلاح..

فتلك الثلة اختارت لها لون موت جديد غير لون الشهادة المتعارف عليه، اختارت لونًا لم يفهمه احد حتى يومنا هذا، وصنعت واقعا جديد كتبت فيه :

عزيزي القارىء ..

تحية وبعد "وكي لا نبقى مجرد صورة على حائط رمادي مع أول صفعة رياح تتبعثر اجسادنا ذرات في الهواء علينا ان نسابق الزمن ونكسر حاجز الصمت ونصنع من الموت .. لون حياة!"