في شكلٍ مطّرِد، يتزايدُ عددُ الأهالي الطّامحينَ إلى إعفاءِ أبنائِهم من تعلّم اللغةِ العربيّةِ، حتّى باتَ هذا الخيارُ بمثابة "Prestige" يتباهون به، ساعينَ إلى الاستحصالِ على جنسيّةٍ أجنبيّةٍ تقيهم تعليمَ أولادِهم العربيّة، فيبحثونَ إذّاك عن مدرسةٍ تقدّمُ إليهم "خدمة العُمر"، يكون فيها نظامٌ تعليميّ يسمحُ بتدريس اللّغة العربيّةِ كلغةٍ غيرِ أساسيّةٍ، وبتعبيرٍ آخر، بحسبِ المنهاجِ الأميركيّ أو الدّوليّ.

ومع الإقرار بأنّ مؤسّساتِنا التّربويّةَ تؤمِّنُ وبجدارةٍ، مستوًى لائقًا من التّعليمِ الرّفيع، لكنّ ذلكَ لا يُبرّرُ أنْ يحرمَ الآباءُ أبناءَهُم مِن تعلّمِ لُغةٍ هُم يُقيمون في أقطارِها، ويعملونَ في خليجِها ومحيطِها، أو أنّ اللهَ أنعَمَ عليهِم بالعملِ في بلادٍ صدّرَت الحرفَ واشتُهِرَ أبناؤها بإلمامهِم بأكثر مِن لُغتَين اثنتَين بينهُما العربيّة... وبالتّالي ماذا تغيّرَ للإحجامِ عن اللُّغةِ الأم؟

لا أريدُ أنْ أظهرَ بمظهرِ الواعظِ تربويًّا أو المزايدِ قوميًّا، أو المتأثّرِ شاعريًّا، بل أنْ أطرحَ الموضوعَ واقعيًّا، ومِن زاويةِ كوني تربويًّا لربعِ قرنٍ، وإعلاميٍّ على خطٍّ موازٍ، هدفُه في الحالَين تسليطُ الضّوءِ على ظاهرةٍ هيَ حتمًا غيرُ صحيّةٍ، على نحوِ ما أراها!

صحيحٌ أنَّ العربيّةَ في هذا العصرِ تشكو من مواطنِ ضُعفٍ كثيرةٍ – لسوءِ الحظّ – ولكنْ هل يُمكنُ تجاهُلُ قيمتِها على مُستوَيَي الجماليّةِ والحاجةِ إلى التّواصلِ مِن خلالِها، كَي نكونَ متصالحينَ مع الأرضِ والوطنِ والمحيط؟

صحيحٌ أنَّها لُغَةٌ لا تجاري أهواءَ المتعلّمين وحاجاتِهِم، إنْ مِن حيثُ الحاجةِ اليوميّةِ إلى استخدامِ الـ "Internet" أو المعلوماتيّةِ الآتيَةِ "بالهِندام الإفرنجيّ"، أو التّواصُل على الـ WhatsApp الّتي استعارَ جيلُ اليومِ لها الحرفَ اللاتينيّ، لتعبّرَ من خلالِها بلكنةٍ لبنانيّةٍ، وبلُغةٍ لا تقومُ إلاّ على العَوَج!

وصحيحٌ أنّ النّظرَةَ إلى لُغَة الضّادِ اليوم، تتّسمُ بالخجلِ بدلاً من التّفاخر بإتقانها، وأنّ الأهلَ لا يُشجّعونَ أبناءَهُم على تعلّم العربيّةِ، فيقولون: ”ركّزوا على الـ Math"... أو يقولون: ”العربيّة نتكلّمها في المنزِل" (وهذا القول يدحضُهُ طبعًا علمُ الألسنيّةِ، إذ إنّ ما ننطقُ به في بيوتِنا هو حصرًا اللبنانيّة – المحليّة، لا العربيّة الفُصحى)... أو قد يقولُ الأهلُ: "اللغةُ العربيّةُ لا نتكلّمُها في المنزلِ، فلماذا نحتاجُ إليها إذًا؟

لكنّ الجوابَ على كلّ ذلكَ، إضافةً إلى الحُججِ الواردَة آنفًا، أنّ مِن مصلحةِ المتعلّم أنْ يُتقِنَ العربيّةَ!تعليم اللغة العربية

وصحيحٌ أيضًا أنّ مُعظَمَ الكُتبَ المدرسيّةَ ما زالت لا تلبّي احتياجاتِ المتعلّمين، أقلّهُ من ناحية المواضيع (المَزارع المُنقرضَة في واقعِ المتعلّمِ وحياتِه اليوميّة، البيتُ الرّيفيُّ على تلّةٍ وسط شجرتَي صنوبرٍ، الماشيةُ الدّاجنَةُ في البيت الرّيفيّ الّتي ما عادَت متوافرة سوى في المزارع الكبرى / اللبّادة والطّربوش والشّروال...)، وكذلك من حيث أنَّها لا تتضمّنُ صورًا جذّابة بالمقارنةِ مع الوسائلِ التّعليميّةِ الغربيّةِ، لكنْ ثمّة محولاتٍ أُجريَت أخيرًا للفتِ نظر المتعلّمين، كما وأُدخِلَت الكتبُ المدرسيّةُ العربيّةُ على الـ IPad ما قَد يُساهِمُ مَع الدّوراتِ التّدريبيّةِ المكثّفَةِ في الحدِّ من التّعليمِ التّقليديّ...

وأمّا في الصّعوباتِ الّتي تترتّبُ عن المِنهاجِ الأميركيّ/الدّوليّ فنذكُرُ –على سبيلِ المثالِ– مشكلةَ إيجادِ تدرّجٍ عموديّ خاصٍّ بهذا النّظام التّعليميّ. وإذا كانَ التدرّجُ العموديُّ في المنهاجِ اللبنانيّ يرتكِزُ إلى البرنامجِ الرّسميّ كحدٍّ تعليميّ أدنى، إلاّ أنّ التدرّجَ العموديَّ في المنهاجِ الأميركيّ – الدّوليّ، يميلُ أكثَر إلى الاستنسابيّةِ، لكونِ أنّ المتعلّمَ لن يخضَع لامتحانٍ رسميٍّ هو مُعفًى منه أصلاً. كما وأنَّه لا يرى مصلحة –في المعنى الضيّق للكلمة– في اكتسابِ اللغةِ العربيّة...

وقَد يجدُ الأستاذُ نفسَه في الصّفوف الثّانويّة، يُدرس متعلّمين ربّما في المستوى الثّالث، أي ما يوازي السّنة الثّالثة من التّعليم الأساسيّ. ومِن ثَمَّ فأيّ كتابٍ للصفِّ الأساسيّ الثّالث، يتناسبَ في مواضيعِه مع متعلّمٍ في الصّفّ الثّانويّ؟

كما ويفرِضُ المنهاجُ الأميركيُّ – الدّوليُّ عمليًّا، وعلى صعيدِ مكوّناتِ الصّف، وجودَ مستوياتٍ عدّة في الصفِّ الواحدِ، فينبَغي عندئذٍ على المعلّمةِ الواحدةِ، التّعاملُ مع مستوياتٍ عدّةٍ، في الصفِّ الواحدِ، ما قَد يعيقُ المضيَّ قُدمًا في تحقيقِ الأهدافِ التّعليميّةِ – التّربويّةِ... وهذه المعضِلَةُ تفترضُ جسمًا تربويًّا مميَّزًا يعرفُ كيف يستثمرُ الإستراتيجيّاتِ التّعليميّةَ الفُضلَى...

إذًا، المطلوبُ والحالُ هذه:

• تقريبُ اللّغة العربيّةِ من المتعلّمين

• إنجازُ أكثر من مستوًى في السّنةِ الدّراسيّةِ الواحدةِ

• تقليصُ الهوّةِ بين صفِّ المتعلّمِ (الثّانويّ) ومستواه التّعلّمي (الابتدائيّ)

• إستثمارُ الوقت خلالَ الحصّةِ إلى أقصى حدود

• إعطاء كلّ متعلّمٍ ما يحتاجُ إليه من التّدريس

• إيجادُ الأرضيّةِ المشترَكَةِ (النّص / المحور / الصّورة / النّشاط) للمستويات المختلفة، بهدفِ تعميمِ الفائدة...

• الأخذ في الاعتبار كلّ ما ورد أعلاه خلال تحضيرِ الوحدة التّعليميّ (الّتي يجب أنْ تلحظ في وضوح الأنشطة التّعليميّة أيضًا)

وأمّا نقاط القوّة الّتي يُمكِنُ الاستفادةُ منها:

• ”جمهور الصّفّ“ (الثّانويّ) في عمرٍ يتجاوزُ – من حيث التّفكيرِ – المستوى التّعليميّ الحاليّ (الابتدائيّ).

• المنهاج / التدرّج العموديّ في هذه الصّفوف مُخفَّض

• إذا كانَ التدرّجُ العموديُّ للمنهاج الدّولي / الأميركيّ واضح الإطار، لناحية الكفايات / القدرات والمهارات، فإنّ من شأن ذلكَ أنْ يوضحَ استراتيجيّة العمل عي مجال الأهداف التّعليميّة

• ثمّةَ نقطَة قوّة إضافيّة يُمكِن إيجادُها كخلق مُناخ محفّز على التّواصل باللّغة العربيّة:

1 - نادٍ فيسبوكيّ

2 - أسبوع اللغة العربيّة

3 - المشاركة في مباريات داخليًّا أو على نطاق لبنان...

إنّ الهدَفَ مِن كلِّ ذلكَ الإضاءةُ على الوضعيّاتِ التّربويّةِ الّتي يختبِرُها المتعلّمُ من دون أنْ يدريَ، إذ يُصبِحُ هوَ ضحيّةَ "Prestige" لا لزومَ له، بخاصّةٍ إذا كانَت إمكاناتُه تخوّلُه التّحليقَ في مادّةٍ افترضَ هو أو أهلُهُ أنّها لن تفيدَهُ... وقد تَناسَى الأهلُ ما قيلَ قديمًا عن أنّ "كلّ لسانٍ إنسان"، ومَن يُتقِنُ ثلاث لغاتٍ مثلاً، يكون ثلاثةَ أشخاصٍ في واحدٍ... ولا يسعُنا في هذا المجالِ إلاّ أنْ نستشهِد بالإيطاليّ كارلو نلّينو القائل: "اللُّغةُ العربيّةُ تفوقُ سائر اللُّغاتِ رونقًا، ويعجزُ اللّسان عَن وصفِ محاسنها".