لا يصدّق كثير من اللبنانيين أن حواراً سيجمع وجهاً لوجه مسؤولين أساسيين من "حزب الله" و"تيار المستقبل"؛ ربما سينظر المشككون إلى الصورة الجامعة للمتحاورين، لكنهم سيبقون غير مقتنعين بحقيقة ما يشاهدون، وبدرجة أكبر، غير مقتنعين بإمكان التوصُّل إلى حلول حقيقية.
من الواضح أن نقاط الخلاف بين الطرفين، والتي تمتدّ لتشمل باصطفافاتها كل اللبنانيين، هي أكبر وأخطر من أن تستطيع أي أطراف لبنانية حلّها، بمعزل عن تأثيرات الخارج، خصوصاً أن المشكلات المختلَف عليها هي مشكلات إقليمية، ترتبط بقوى دولية، وحتى المشكلات اللبنانية لم يعتد اللبنانيون على حلها بمعزل عن الخارج القريب والبعيد.
كما أن شراسة حملات التحريض التي شهدتها الساحة اللبنانية طوال السنوات السابقة فعلت فعلها في دفع الاحتقان على مستوى الشارع، إلى حدود استغلها المتطرفون والتكفيريون للانقضاض على عقول الناس وعواطفهم، وجرّهم نحو مسالك لم تكن مقدَّرة، وهنا تبرز حاجة "تيار المستقبل" إلى مثل هذا الحوار أكثر من غيره من الأطراف اللبنانية، لأنه هو الذي يدفع من بيئته وجمهوره وشعبيته ثمن التطرُّف الذي غذّاه في السابق، وبات الآن ضده بعد انضوائه في التحالف الدولي - العربي الذي أعلن الحرب، أقله رسمياً، على المتطرفين والتكفيريين.
كذلك، من الواضح أن كلام الرئيس السابق سعد الحريري وتبرؤه من المتطرفين والتكفيريين الذين استهدفوا الجيش اللبناني، وبالتالي مشروع الدولة، لم يكن كافياً لإحداث قطيعة بين جمهوره وبين الحالات "القاعدية" و"الداعشية" التي غزت شارعه، وأمعنت نهشاً فيه، فكان لا بد من جرعة أخرى، أقوى وأكثر فاعلية، عبر التقارب، ولو الشكلي، مع "الخصم" المشخَّص بـ"حزب الله"، لعل في ذلك مخرجاً للفصل بين "البيئة المستقبلية" و"البيئة" التي أعلن "المستقبل" ورعاته الإقليميون والدوليون الحرب عليها.
هذا الالتزام الذي أعلنه الرئيس الحريري "وقونَنه" بقوله "نحن تيار اعتدال عابر للطوائف" يعاني من مشكلة داخلية عميقة ومستفحلة، لأن قسماً كبيراً من الرموز "الزُّرق" يبني علاقاته الشعبية، والانتخابية تحديداً، على أساس طائفي ومذهبي بالغ التطرف، وبالتالي فإن السؤال المشروع المفترَض طرحه على "المستقبليين" هو: ماذا لو لم يخرج الحوار المزمَع عن مجرد صورة مع ابتسامات، وربما من دونها؟
يأخذ هذا الكلام جديته عندما نعلم أن الحوار الذي يتم التحضير له من قبَل الرئيس نبيه بري، ويقال إن مكانه سيكون في قصر عين التينة، لن يتطرق إلى أهم نقاط الخلاف بين "حزب الله" و"تيار المستقبل"، وهي: الملف السوري، وسلاح الحزب، والمحكمة الدولية.. وبالتالي، فما يتبقى هو قضايا محلية تخص جميع اللبنانيين، ولا يمكن لطرفين لوحدهما البت بها من دون مشاركة الآخرين! هؤلاء الآخرون يعانون بدورهم من خلافات تعصف بين أطراف الصف الواحد، وتحديداً قوى الرابع عشر من آذار، التي كما هو معلوم تختلف فيما بينها على ملفات كثيرة، تبدأ برؤية كل طرف منها لمصلحته في الانتخابات الرئاسية، ولا تنتهي بالتباين بينها حول تعديلات يجري الحديث عنها لمواد قانون الانتخابات النيابية.
حدد الرئيس الحريري مسبقاً برنامج الحوار: "تخفيف الاحتقان، ورئيس توافقي"، والسؤال: ماذا لو لم يؤدِّ الحوار إلى التوافق على رئيس عتيد للجمهورية؟ هل ستعود لهجة التحريض والتصعيد وحقن الشارع، بما يخدم برنامج التكفيريين في اختراق جمهور "المستقبل"، أم أن بند "تخفيف الاحتقان" سيُستكمل ببند "لجم الفلتان"، بما يفتح الباب واسعاً على شمول الحوار كل الأطراف اللبنانية، ويحصّن الساحة من خطر العودة إلى الاحتقان مجدداً، في حال تراجع المناخ الدولي، وتحديداً الأميركي - الايراني، بعد انقضاء مهلة الستة أشهر المتفَق عليها في الحوار النووي بينهما؟
هذا المناخ الدولي هو الذي جعل الرئيس الأميركي باراك أوباما يدعو الأمير السعودي متعب بن عبد الله إلى "دفع والده لتحسين العلاقات مع إيران"، وهو ما انعكس على الموقف السعودي إقليمياً، و"الحريري" محلياً، فمن يضمن ألا يغيّر أوباما موقفه؟