قد يكون الدور الذي يقوم به الشيخ ​مصطفى الحجيري​، المعروف باسم "أبو طاقية"، في ملف العسكريين المخطوفين، من قبل الجماعات الإرهابية في جرود عرسال، هو الأغرب على الإطلاق. جميع المعطيات تؤشر إلى أن هناك "قطبة مخفية" في هذا الأمر، قد يكون من الصعب حلها قبل إنهاء هذه القضية بشكل كامل.

بين لحظة وأخرى، يتحول الرجل من "المنقذ" إلى "المتهم"، من الشخص الواجب شكره على الدور الذي يقوم به، إلى القاتل الواجب تسليمه إلى العدالة وتنفيذ حكم الإعدام به، من دون أن تقدم أي جهة رسمية أو غير رسمية أي تبرير لذلك. حتى أهالي العسكريين، قبل قتل أبنائهم، يوجهون التحية إليه ويدعونه للتدخل من أجل إنقاذهم، لكن لحظة تنفيذ الخاطفين جريمتهم يضعون دماءهم في رقبته.

من وجهة نظر عدد من الجهات الرسمية، "أبو طاقية" على علاقة بتلك المجموعات الإرهابية، ومذكرات التوقيف الصادرة بحقه أكبر دليل على هذا الأمر، لكن من وجهة نظر جهات أخرى فإن "الشيخ" يقوم بأدوار إيجابية من الواجب شكره عليها، ولا يجوز تحميله المسؤولية عن هذا الملف.

من جانبه، ينطلق الحجيري، في حديثه عن هذا الملف، من التأكيد بأنه جمّد كل وساطة كان يقوم بها قبل إعدام الدركي الشهيد علي البزال، ويستغرب هو أيضاً كيف يتحول بين ليلة وضحاها من "المنقذ" إلى "القاتل"، لكنه يعتبر أن من الواجب سؤال "أهل الوفاء" عن هذا الموضوع.

يرفض "أبو طاقية"، في حديث لـ"النشرة"، القول بأن الأمر يعود إلى أنه "الوسيط" بهذه القضية، ويسأل: "لماذا أحمل المسؤولية عن تنفيذ عمليات الإعدام، في حين أنّ هناك وسيطاً رسمياً مكلفاً من الحكومة اللبنانية بهذه المهمة؟"، ويعتبر أن هذا الإتهام لا يمكن أن يفهم إلا أنه سياسي، ويحمّل "حزب الله" ووسائل الإعلام المسؤولية، ويضيف: "الإعلام اللبناني بحاجة إلى الإعدام لأنه لا يحرض إلا على الفتنة".

يؤكد الحجيري أنه ليس الجهة التي تملك جيشاً من أجل فرض موقفها على المسلحين، ويوضح أن قدرته على تأجيل تنفيذ أحكام الإعدام لا تعود إلى "المونة" على المسلحين، كما يقال، بل إلى قدرته على إقناعهم بـ"العقل"، ويقول: "المسلحون بشر، وعندما أخاطبهم أقنعهم بأن إعدام العسكريين لا يفيد ثورتهم، ولكن عندما يهددون بقتل أطفالهم ونسائهم بعد إعتقالهم ماذا أستطيع أن أقول لهم؟"

لدى "أبو طاقية" حقد كبير على دور "حزب الله"، ويعتبره المعرقل الأساس لعملية الإفراج عن المخطوفين، ويدعو إلى سؤال الجانب القطري ووزير الصحة العامة وائل أبو فاعور إلى أين وصلت المفاوضات سابقاً قبل أن تعرقل من جديد، ويضيف: "كفى متاجرة باسم الدين والجميع يعرف ما الذي يحصل، وليقل لنا (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصرالله، الذي يتحدث عن القتل، كم قتل من السوريين"، ويشدد على أن حصار عرسال من قبل الجماعات المدعومة من الحزب لا يفيد.

في الجهة المقابلة، قد لا يكون من المفيد الحديث مع أهالي المخطوفين في هذه المرحلة، كثيرة هي الأسباب التي قد تمنعهم من الحديث بشكل واضح عن هذا الموضوع، لكن ما يقوله أهالي الشهداء منهم لا يقبل الشك، ومن الضروري توضيحه بشكل حاسم.

والد الشهيد محمد حمية، ​معروف حمية​، يبدو واثقاً من الكلام الذي يقوله، بالرغم من الفاجعة التي أصيب بها بفقدانه نجله، يعرف السؤال الذي سيطرح عليه منذ اللحظة الأولى للحديث معه، ويعتبر أن سبب تردد الأهالي في قول الحقيقة يعود إلى أملهم بتخليص أبنائهم على يد "أبو طاقية"، لكن حمية ليس لديه أي أمل بذلك، ويؤكد أن الحجيري هو الخاطف الأول لعناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.

يشدد حمية، في حديث لـ"النشرة"، على أن الحجيري نقل المخطوفين مع نجله بسياراتهم إلى جرود عرسال، كاشفا أن الأهالي جميعهم يدركون هذه الحقيقة، لكنهم اليوم "مكبلون" بسبب خوفهم على حياة أولادهم، مؤكدا أن الرجل بالنسبة إليه هو أمير جبهة "النصرة" الفعلي.

على صعيد متصل، لا يزال حميّة يتابع قضية العسكريين بشكل دقيق، ويعتبر أن الخاطف والوسيط المفترض والمفاوض واحد، يرى أن أغلب أعضاء خلية الأزمة المكلفة متابعة هذا الملف مع الخاطفين في خندق واحد، ويدعو الأهالي إلى إعتبار أبنائهم شهداء وتكليف الدولة إعادتهم بالقوة.

في المحصلة، لا تزال الكثير من خيوط هذه القضية غامضة، وربما سيبقى بعضها طي الكتمان حتى بعد ايجاد حلول لها، الا ان ما هو جليّ أن طريقة تعامل الدولة اللبنانية لا تريح أهالي المخطوفين ولا الشهداء.