في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، يصبح قانون الايجارات نافذاً، بعد أن ردّ المجلس الدستوري مراجعة الطعن الذي قُدّم من قبل عدد من النواب. المجلس الدستوري وبعد دراسة معمّقة للقانون المؤلّف من 57 مادة أبطل فقط المادّتين 7 و13 بالاضافة الى الفقرة ب- 4 من المادة 18 .

بعض النواب الطاعنين في القانون تقدّموا بالطعن لأسباب قد تكون انتخابية، فالنائب هاغوب بقرادونيان قال "نصف برج حمّود من المستأجرين، اعذروني"، أما البعض الآخر فلمصالح شخصية لا تمتّ الى المصلحة العامة بصلة.

النائب ايلي ماروني أحد الطاعنين يدفع بدل ايجار "فيلا" في زحلة مليون وثلاثماية وخمسين ألف ليرة لبنانية سنويّاً، هذه "الفيلا" التي تبلغ مساحتها خمسة آلاف متر مربّع نشأ فيها ماروني وترعرع بين جدرانها وهي تشكّل بالنسبة اليه الزمن الجميل. يرفض ماروني شراء الفيلا بالسعر الذي يريده أصحاب الملك، ويعتبر أنّ قانون الايجارات الجديد يلحق بعض الاجحاف بحق المستأجرين على حساب المالكين.

النائب ​قاسم هاشم​ طبيب الأسنان يرفض التخلّي عن عقد ايجار "الكلينيك" في شتورة والغريب في الأمر أن سعر الكلينيك ليس باهظاً في حال أراد هاشم شراءه، غير أنّه يرفض ذلك مكتفياً بدفع ما لا يزيد على المئتي ألف ليرة لبنانية سنويّاً.

النائب ​زياد أسود​، الذي نشأ في عين الرمانة في منزل والدته في شارع لورد، يرفض التخلّي عن منزل طفولته وهو يحاول اقناع صاحبة الملك بأن تبيع المنزل بنصف سعره.

النائب نديم الجميّل، ولأسباب عاطفية بحتة، قرّر الطعن بالقانون، ونزولاً عند رغبة حبيبته التي رفض والدها التخلّي عن منزل مستأجر قديمًا.

النائب عبداللطيف الزين يدفع بدل ايجار زهيد لمنزله الكائن في بيروت وما يدفعه لا يصلح أن يكون بدل ايجار لمنزل في جرود الضنيّه.

الطاعنون في القانون لا يشكّلون أكثرية في مجلس النوّاب، لا بل ان كتلهم لا توافقهم الرأي في اقتراحاتهم، ذلك أن ما يقال في السر ليس كما يقال في العلن، لكنّهم أي الطاعنين لم يفلحوا في ابطال القانون الجديد بل أمعنوا في الحاق الضرر بالطبقة الفقيرة، بأولئك الذين لا يملكون حقاً القدرة على تسديد بدل الايجار خصوصاً وأن المشروع كان يلحظ قبل اضفاء التعديلات عليه تأسيس صندوق دعم ذوي الدخل المحدود من المستأجرين الذين كانوا سيستفيدون من الاقامة المجانيّة التي تؤمنها لهم الدولة لفترة تصل الى 12 عاما. ما فعله مقدّمو الطّعن أنّهم وبحجّة أن هذا الصندوق الذي سيموّل الفقراء الذين لا يتعدّى راتبهم المليوني ليرة لبنانية وهمي، والدولة عاجزة عن تمويله حرموا من يستحقّون الدعم فاذا بهم اليوم وعلى رأسهم أحد النوّاب يطالب بتوسيع دائرة الذين سيستفيدون من الصندوق لتصل الى من يتخطى مدخولهم سبعة أضعاف الحد الأدنى للأجور، ما يشير الى المدافعة عن مصلحة الأغنياء. فكيف يمكن لصندوق وهميّ لا يستطيع تأمين حقوق الفقراء أن يؤمّن طمع الأغنياء؟

الى ذلك فقد قال نائبان علنًا في الاعلام ان قانون الايجارات الجديد غير نافذ، واذا بهما يقدّمان اقتراحا لوقف تنفيذه ويقرآن بأسبابه الموجبة بأنه يصبح نافذا في 28 الجاري، فكيف بهما يقدّمان اقتراح قانون بوقف تنفيذ قانون هو برأيهما غير نافذ؟ انّه اقرار من قبلهم بنفاذ القانون.

المشكلة الحقيقية تكمن في طريقة تسوية وضع الفقراء الذين لا يملكون حقّاً القدرة على دفع بدل ايجار باهظ، وعلى الدولة العمل على مساعدتهم تحت شعار "الظلم في السويّة عدل في الرعيّة" فلا ينتصر المالكون القدامى ولا يرزح المستأجرون.

وما فعله مقدّمو الطعن من النوّاب الممدّدين لأنفسهم أنّهم حاولوا أن يمدّدوا لأنفسهم أيضاً الاقامة شبه المجانية في أملاك غيرهم من اللبنانيين، بعد أن تأكدوا أن الشعب اللبناني لا يقوى على الثورة الا حين يأمره حاكموه!