يعرب متصلون بالعاصمة السورية عن خشيتهم من تداعيات قرار الحكومة اللبنانية القاضي بالبدء بالحدّ من عشوائية دخول السوريين إلى لبنان وتحولهم إلى عبء اقتصادي وسياسي وأمني على الوضع الداخلي الهش والخاضع لسلسة من الضغوط الممتدة منذ بدء الازمة السورية، ويتحدّثون عمّا يشبه "الأزمة الصامتة" بين الحكومتين اللبنانية والسورية، في وقتٍ بدأت الأخيرة تلوّح بضرورة تطبيق مضامين الاتفاقيات المعقودة بين البلدين منذ تسعينات القرن الماضي، مع ما يعنيه ذلك من فتح ملفات وتصعيد للمواقف لن ينتهي إلا بعودة التنسيق بين البلدين وهذا ما ليس بوارد عند بعض الافرقاء المحليين، لاسيما أنّ هناك مكونات من داخل الحكومة لم تعد تعترف بالنظام ولا تقيم وزنا له بالرغم من استمرار قدرته على ممارسة الضغوط على الساحة المحلية.

ويعتبر هؤلاء أنّ لبنان قد يدفع الثمن الأكبر باعتباره الحلقة الاضعف من جهة ولأنّ حدوده البرية مفتوحة على سوريا دون سواها، ما يعني أنّ عبورها يشكل حاجة اقتصادية أساسية أكان بالنسبة "للترانزيت" أم لحجم استهلاك السوق السوري المحلي في ظل واقع يفرض نفسه وهو العولمة الاقتصادية بغضّ النظر عن الحرب أو السلم في ظلّ واقع يتكشف باضطراد وهو أنّ الحروب الباردة تنطلق من أساسها على خلفيات اقتصادية ما يعني أنّ التلويح بإقفال الحدود أمام عبور الشاحنات اللبنانية يشكل تهديدًا يصل إلى حدود الضغط الاقتصادي المحرك الاساسي للضغط السياسي.

ما يعزز هذا الاعتقاد هو أنّ الحكومة السورية تدرك منذ انطلاق ازمتها ما هي فاعلة وإلى أين ستصل الأمور، خصوصًا أنّ نسبة النازحين السوريين الذين عبروا الحدود الشرعية يشكل حوالي نصف عددهم الفعلي وهم بغالبيتهم من المعارضة ومع ذلك عبروا حواجز الجيش السوري من دون أيّ اعتراض من قبله، إضافة الى العراقيل العملية التي ينفذها الجيش السوري لمنعهم من العودة إلى الاراضي السورية لاسباب سياسية تتعلق بحسابات النظام ومعارضيه في وقت واحد، والدليل على صحة هذا الاعتقاد هو عدم عودة نازحي القصير إلى قراهم بالرغم من تحريرها من الارهابيين وجبهة النصرة وما يمت اليهما بصلة، علمًا أنّ الاحصاءات تشير إلى أنّ هناك نسبة ستين بالمئة من النازحين السوريين المقيمين في لبنان قدموا من مناطق لا تتعرض للقصف وليس فيها جبهات قتال بما يؤكد أنّ النزوح بحد ذاته هو لجوء سياسي وليس نزوحًا قسريًا.

ويبدو أنّ الحكومة اللبنانية بدأت تستشعر الخطر الاكبر لا سيما أنّ أعداد السوريين المقيمين في لبنان بات غير معلوم بالتحديد بالنسبة للاجهزة الامنية، خصوصًا أنّ بينهم مسلحين التحقوا بالمخيمات الفلسطينية وانتظموا على شكل خلايا جاهزة وغب الطلب حاضرة لتنفيذ ما يطلب منها نظرًا إلى حجم التعبئة الممارَسة منذ سنوات وهي ليست وليدة ساعتها إنما تستند إلى أجندات مشبوهة لا يمكن الركون إليها في ظلّ التحولات والضغوط المستمرة على الساحة اللبنانية وهي مستمرة، وإن كان ذلك يتمّ بوتيرة مختلفة ما يؤسس الى مطالبة سورية بالتزام بنود الاتفاقيات المعقودة مع لبنان ومن ضمنها بنود الدفاع المشترك وتلك المتعلقة بالقضاء وتسليم المعارضين السوريين وكل ذلك تحت طائلة تسهيل عبور "النصرة" و"داعش" باتجاه لبنان عبر المعابر غير الشرعية.