شيء ما يحدث هذه الأيام على المستوى الاقليمي، لم تتضح معالمه النهائية بعد. لكن الأكيد، ان احاديث تسمع في الصالونات السياسية عن حراك اقليمي ودولي يصب في خانة ملء الفراغ على الساحة اللبنانية. فما هي خلفيات هذه القناعة المستجدة؟ والى اين ستؤدي؟

في الساعات الماضية، حلّ وفد عربي في بيروت، قوامه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزير الخارجية الكويتية الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، الذي تترأّس بلاده القمة العربية حالياً، ووزير خارجية موريتانيا أحمد ولد تكدي، الذي تترأس بلاده مجلس الجامعة على المستوى الوزاري.

في جولته، كان الوفد متكلّماً في غالب الأحيان، اكثر منه مصغياً. أكد لمن التقاهم، أن استقرار لبنان اولوية اقليمية ودولية، وان الطريق الى هذا الاستقرار المستدام تمرّ بترميم المؤسسات الدستورية. لم يكتف الوفد بذلك، بل اقرن كلامه بتمني ان يتمثّل لبنان في القمة العربية التي ستعقد في آذار، بالرئيس المنتخب للجمهورية.

في الواقع، لا يأتي هذا التفاؤل الاقليمي من فراغ، بل يلتقي مع المساعي المبذولة محلياً، لاستبدال التباعد بالتقارب، والمصادمة بالمصالحة، على خطّي الرابية-معراب، وقريطم-حارة حريك.

حتى اللحظة، انعكست الخطوط المفتوحة تبريداً للساحة الداخلية، وبات بمقدور الأطراف المعنيين تبادل الكلام والاوراق والافكار، بعدما تراشقوا في السابق بالتصريحات والرصاص والخصومات. تسير قافلة مدّ الجسور المحلية بالتوازي مع الاشارات الايجابية الخارجية للابقاء على لبنان، "بقعة هادئة"، بحسب التوصيف المستخدم هذه الايام على لسان أكثر من ديبلوماسي.

وفق أجندة الأيام المقبلة، ستنشط الحركة الخارجية في اتجاه لبنان. وسيحمل الموفدون بركة للمحاولات الجارية لاستنباط حل "صنع في لبنان"، بعدما اثبتت تجربة الأشهر الأخيرة، ان لغة الحوار اللبناني تبقى اقصر الطرق.

في مقلب الممسكين بمفاتيح القرار السياسي المحلّي، لا نية للاسراف في التفاؤل، ولكن، لا استعداد كذلك للافراط في التشاؤم. يتحدّث المعنيون عن ايجابية وجدّية في التعاطي، وينقل زوار الرابية ومعراب على سبيل المثال، اشارات ايجابية عن ارتياح لدى الجنرال والحكيم لما آلت اليه الأمور حتى الآن، ويسمع سائل نواب المستقبل وحزب الله على حد سواء، عن مجريات حوارهما، مصطلحات تم انتقاؤها من قاموس الايجابية.

يعرف المعنيون أن الأوضاع لن تنقلب رأساً على عقب بكبسة زرّ، وأن على الحصاد المرتقب أن ينتظر موسمه ليتفتّح ويحين قطافه.

في مقلب الرابية-معراب، لا استعجال، على قاعدة أن "من طلب الشيء قبل اوانه، عوقب بحرمانه"، والمهم أن النيات متوافرة للسعي الى تكوين رؤية مشتركة حول الجمهورية قبل رئاستها. وفي ملعب المستقبل-حزب الله، لا تبدو التوقعات مرتفعة، لاسيما أن المعنيين يرضون بتنفيس الاحتقان كأول العنقود، والباقي تفاصيل.

لكن الجديد-المفاجىء، هو ما بدأ الهمس به هذه الأيام، عن الموقف السعودي من الاستحقاق الرئاسي. ينقل الزوار كلاماً واضحاً مفاده أن "لا فيتو سعودياً على ميشال عون". وصل مثل هذا الكلام الى الرابية بحسب زوارها، بعدما اصطدم تعبيد طريق عون الى بعبدا في السابق، باعتراض وزير الخارجية السعودية الامير سعود الفيصل شخصياً، المرة الاولى في نهاية الثمانينات، والثانية عشية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وبدء الحوار بين الوطني الحر والمستقبل. اليوم، يبدو أن الاجواء السعودية باتت مغايرة، مع ما سيعنيه ذلك من بطاقة تسهيل مرور عند محطة الاستحقاق الرئاسي، ومن قلب للتوازنات.

في الآونة الأخيرة، هناك من يتحدّث عن اوراق رئاسية محروقة، وأن ميشال عون نجح في أن يتحوّل من "صانع رؤساء" الى "قاتل للمرشحين" بالمعني السياسي للعبارة. يبدو الرجل، بحسب زواره، مرتاحاً هذه الفترة، وهو المقتنع منذ اللحظة الأولى بأن تنازله عن ترشحه غير وارد، كيف اذا كانت المتغيرات تصب في خانة تحوّله من مرشح الى منتخب؟