لا يختلف اثنان على أنّ ما كان يُسمّى بـ"​مؤتمر موسكو​" حول الوضع السوري المأزوم فشل، حتى قبل جلوس وفدي النظام والمعارضة حول طاولة واحدة. ولعلّ أول مؤشر لفشله تغيير اسمه قبيل انطلاقه ليتحوّل إلى منتدى، لتتوالى مؤشرات الفشل بعد ذلك وتتوَّج أخيرًا بسحب البحث خلاله بالملف السياسي والتركيز على الملف الإنساني.

وبحسب مصادر سورية معنية، فإنّ مجموعة عناصر أخرى ساهمت في إخفاق روسيا في قيادة مشاورات جدية عمليًا بين كلّ من النظام والمعارضة، من أبرزها عدم نجاح الروس في استقطاب معارضين بارزين بعد تغيّب الائتلاف الوطني، بوصفه أكبر تكتّل سوري معارض، وهو ما أدّى تلقائيا لتخفيض النظام السوري مستوى تمثيله، ليرأس وفده ممثل سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، بعد أن كان مقررا في وقت سابق أن يقوده وزير الخارجية وليد المعلم أو نائبه فيصل المقداد.

وترى المصادر أنّ الروس استعجلوا بالدفع لمؤتمر لم يحضّروا عوامل نجاحه، فجاءت خطوتهم ناقصة في وقت أن السوريين هم بأمس الحاجة لخطوة متكاملة وخطة محكمة لوضع حد لمأساتهم المتمادية والتي لم ينجح كبار دبلوماسيي العالم منذ 4 سنوات بتحقيق اي خرق يُذكر لانهائها.

وقد أيقن المعارضون الذين لبّوا الدعوة الروسية فور وصولهم نهاية الاسبوع الى موسكو، أن الآمال التي كانت معقودة على المؤتمر تهاوت بعدما أبلغ المسؤولون الروس قياديين في هيئة التنسيق الوطني أن المؤتمر بات أشبه بـ"منتدى علاقات عامة" لكسر الحواجز النفسية بين طرفي المعارضة والنظام وتهيئة أجواء مناسبة لمؤتمر آخر يُعقد على الأرجح خارج الأراضي الروسية.

وقد كشف أحد أعضاء هيئة التنسيق أن الروس تواصلوا معهم طالبين منهم عدم رفع سقف مطالبهم وخاصة السياسية منها وحصرها تحت سقف جنيف 1.

ويتمنّى المعارضون أن يبدي وفد النظام حسن نية بالتجاوب مع بعض المطالب خصوصًا لجهة السماح بادخال المساعدات لعدد من المناطق المحاصرة وفك الحصار عن بلدات أخرى، إلا أنّهم لا يعوّلون كثيراً على ذلك، لعلمهم بأن فشل المؤتمر بتحقيق أي خرق سياسي قد يترافق مع فشل أيضا على المستوى الانساني.

ويبدو أن الفريقين من النظام والمعارضة السورية كما البلد المضيف روسيا، رضخوا لفكرة أنّ أيّ مفاوضات جدية لحل الأزمة السورية المستمرّة منذ العام 2011 لا يمكن أن تنجح بغياب رعاية أممية لها. وفي هذا الاطار تكشف مصادر سورية مطّلعة عن جهود بدأت تبذل للتحضير لمؤتمر جنيف 3، مؤكدة أنّه لن يكون هناك موسكو 2 أو غيره من المؤتمرات التي لا تحظى برعاية الأمم المتحدة.

ولعلّ إصرار رئيس الائتلاف السوري خالد خوجة الاعلان عن زيارته الى اللاذقية لدعم الجيش السوري الحر بالتزامن مع انعقاد أول اجتماع في موسكو، أبلغ رسالة من الدول المعنية بالصراع السوري بأنّه لم يحن بعد موعد الجلوس مجددا حول طاولة المفاوضات، وبأن ظروف انعقاد جنيف 3 لم تنضج وقد لا تنضج في العام 2015.

وبانتظار نضوج مثل هذه الظروف، يبقى الميدان هو سيّد الموقف في سوريا، ووحده الشارع يرسم معالم المرحلة، حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.