قد تندلع المعركة المنتظرة على الحدود اللبنانية الشرقية في الربيع المقبل، أي خلال أيام معدودة، وقد لا تندلع. الا أن المعطيات الراهنة ترجّح الخيار الأول بعد كل الهزائم التي مني بها تنظيم "داعش" مؤخرا في العراق وسوريا، ما جعله يوجّه أنظاره الى احدى الخواصر الرخوة في المنطقة وبالتحديد حدود لبنان الشرقية حيث يتمركز عدد كبير من عناصره منذ فترة طويلة في الجرود مستفيدين من بلدة عرسال كقاعدة خلفية تؤمن لهم كل مستلزماتهم.

ولعل اعلان التنظيم قبل مدة سيطرته على جرود القلمون وعرسال داحرا معظم التنظيمات والكتائب الأخرى التي بات عدد كبير منها يحارب تحت لوائه، كما نجاحه بترهيب اهالي عرسال اللبنانيين الذين يمتلكون معامل وكسارات في الجرود من خلال انذارهم بالتحضر لتطبيق الشريعة الاسلامية من دون أن تحرك أجهزة الدولة ساكنا، كلها عوامل تعطي دفعا للتنظيم الارهابي الذي يستعد لاقتحام الحدود بأعداد كبيرة يحشدها منذ فترة على أن يكون هذا الهجوم على مراحل ولا تشارك به كل قواته في مرحلته الاولى.

وتشير مصادر معنية بالملف الى أن حجم القوى التي تم حشدها حاليا في جرود عرسال والقلمون قاربت الـ5000 مسلح على أن يخوض نصفهم تقريبا المعركة الأولى، فيتدخل الفوج الثاني في حال اتمام زملائهم مخططهم بنجاح. وتلفت المصادر الى أن الارهابيين يتعاطون حاليا مع المنطقة الشرقية في لبنان كخاصرة رخوة، ويعدون لهجوم في المنطقة الواقعة شمال خط عرسال– دير الأحمر وشرق خط دير الأحمر–القاع. وتضيف: "هم يعتقدون أنّه من السهل التمدد فيها ويعتبرون أنّه اذا نجحوا بوضع يدهم عليها فسيشكل ذلك بالنسبة لهم مكسبا لوجستيا عملانيا واستراتيجيا، يعيد احياء مخطط الوصول الى البحر".

ويرتبط قرار الهجوم، بحسب المصادر، بوضع المنطقة، ففي حال بقي على ما هو عليه، مترهّلاً ومتراخيًا، فهم لن يمانعوا بأن يجربوا حظهم على أن تُطلق صفارة الهجوم في النصف الثاني من شهر آذار الجاري او مشارف شهر نيسان المقبل.

أما التحضيرات من الجانب اللبناني، وبالرغم من كونها قائمة، الا أنّها لا ترتقي لمستوى الهجوم المرتقب. وقد يكون "حزب الله" مستعدا حاليا للمواجهة أكثر من بقية الأجهزة المعنية لكنّه لن يكون قادرا على اتمام مهمته بنجاح في حال عدم تضافر كل الجهود دون استثناء. وتقول المصادر في هذا الاطار: "المطلوب انطلاق التنسيق حالا بين الجيش والحزب والهيئات الشعبية وعدم انتظار حصول الهجوم الكبير، كما المسارعة للتواصل مع الجيش السوري لتوجيه رسالة قاطعة للمسلحين لثنيهم عن التفكير حتى بتنفيذ العملية المنتظرة".

وتشير المصادر الى أن "امكانيات الجيش المتوافرة حاليا لا تتيح له صد الهجوم بنجاح، ما يعني وجوب التسريع بمدّه بالمعدات والأسلحة المناسبة، فالسلاح الفرنسي، الذي يفترض أن تصل دفعته الأولى في نيسان المقبل، قد لا يأتي أبدًا وقد يأتي متأخرًا". وتضيف المصادر: "كما المطلوب تكثيف العمليات العسكرية الاستباقية الخاطفة كالتي نفذها الجيش مؤخرا والتي تظل يتيمة وغير كافية في حال لم تُقرن بالعشرات غيرها".

وتبقى مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال شوكة في خاصرة القوى اللبنانية المواجهة للارهاب في حال اندلاع المعركة، مع معلومات عن تجنيد "داعش" عددًا من الشبان الذين يعيشون فيها للانخراط بالقتال حين تدق ساعة الصفر، وهو ما دفع "حزب الله" و"تيار المستقبل" للبحث في الاجتماع الحواري الاخير الذي جمعهما حول تفكيك هذه المخيمات ونقل المتواجدين فيها الى مخيمات أخرى في الداخل اللبناني بعيدة عن الحدود وعن أرض المعركة. الا أن القرار بهذا الشأن لم يُتخذ بعد نظرا الى تخوف كبير من نقل فتيل التفجير من عرسال الى قلب لبنان ما قد يُساعد الارهابيين بتمدد مشروعهم.

بالمحصلة، تبقى كل الجهود اللبنانية التي تُبذل حاليا متواضعة بوجه موجة الارهاب العارمة التي تضرب المنطقة، الا أن التوافق السياسي الحاصل على تجنيب البلاد الخراب كما غياب البيئة الحاضنة للارهابيين، أقله كما هو ظاهر، يترك نوعا من الطمأنينة في نفوس اللبنانيين الذين لا زالوا يعتبرون ما يجري على الجهة المقابلة من الحدود بعيدا عنهم.