على الرغم من كل التوقعات والتحليلات، لم تعط قمة "كامب ديفيد" إشارة بدء مرحلة الحلول السياسية في منطقة الشرق الأوسط، لا بل باستثناء الإتفاق بين الجمهورية الإسلامية والقوى الكبرى حول الملف النووي الإيراني، يمكن القول أن لقاء الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​ مع قادة ال​دول الخليج​ية أكد إستمرار النزاعات في المرحلة المقبلة، ومؤشرات هذا الأمر كانت واضحة منذ مدة، لا سيما في ظل الإستمرار في المخططات السابقة، وأبرزها برامج تدريب فصائل المعارضة السورية التي تصنف "معتدلة".

في هذه القمة، سعى الرئيس الأميركي إلى طمأنة الدول الخليجية بأن بلاده سوف تبقى ضامنة لأمنها، بعد أن كان حذرها سابقاً من أوضاعها الداخلية، في الفترة التي كانت تعاند فيها الإتفاق مع طهران، مقابل أخذ موافقتها على الخطوة التي سيمضي بها مهما كان الثمن، خصوصاً أنها الإنجاز الوحيد الذي يستطيع أن يتحدث عنه عند مغادرته البيت الأبيض بعد نهاية ولايته الرئاسية.

من وجهة نظر مصادر مراقبة، لا يمكن توقع الأهداف الأميركية في المرحلة المقبلة، في ظل التحديات الكبرى التي تعصف بالمنطقة، إلا أن المؤكد أنها تريد أن يكون هناك تعاون مع إيران في إدارة الأوضاع، سواء كان ذلك عبر حروب محددة السقف أو عبر حلول سلمية لمختلف الملفات العالقة، خصوصاً في العراق واليمن وسوريا ولبنان.

بالنسبة إلى هذه المصادر، واشنطن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول وضع ضوابط للصراع الإقليمي بالمنطقة، تنص على استمرار الاشتباك من دون الوصول للانفجار الشامل، بمعنى استنزاف الجميع للاستسلام لاحقاً لمشروع التقسيم أو الفدرلة، والنموذج العراقي هو الأوضح في هذا المجال، أما الثاني فهو وضع حل لكل النزاعات، بعد تجربة الربيع العربي الدموي، وتنطلق فيه من الإتفاق مع إيران لتحقيق الهدف، ما يعني عملياً الإستسلام لنظرية أن الأميركي يريد محاربة الإرهاب ويعترف بفشل مشروعه.

وفي هذا السياق، تشير المصادر المراقبة، عبر "النشرة"، إلى أن المعطيات ترجح الإحتمال الأول لعدة أسباب، أولها أن واشنطن لا تزال مستمرة في مشروعها، الذي عبّر عنه بشكل واضح نائب الرئيس جو بايدن من خلال إصراره على القول بأن بلاده تريد عراقاً فدرالياً، وهي في سبيل ذلك تسعى إلى تكريس التقسيم بالنار، الذي من المفترض ترجمته لاحقاً تقسيماً سياسياً، وتلفت إلى أن بيان "كامب ديفيد" أكد بشكل واضح استمرارية الصراعات بالمنطقة، بسوريا والعراق واليمن وليبيا بشكل أساسي، وإلى حين ترجمة المشروع في العراق عبر تكريس واقع دعم الأكراد والعشائر السنية بشكل مباشر، يجري العمل على تجهيز أدواته في سوريا من خلال برامج تدريب ما يصنف بـ"المعارضة المعتدلة"، تحت عنوان محاربة الإرهاب.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ليس مهماً ما يحصل على حدود الدول القائمة في منطقة الشرق الأوسط، ما ينبغي التوقف عنده هو الصراعات في داخلها، التي تأخذ طابعاً مذهبياً وعرقياً، وهناك رغبة في بناء عقود إجتماعية جديدة، ستخلق من حيث المبدأ دولاً من الممكن تفجير الصراع فيما بينها بأي لحظة، وحتى الآن لا شيء يفيد بأن هناك حلولاً من نوع آخر موجودة على بساط البحث.

وتشدد المصادر المراقبة على أن المشكلة الأساسية هي في غياب أي مشروع وطني تجمع عليه مختلف القوى في الدول التي تشهد صراعات، لا بل كل الحلول تطرح من منطلق تقسيمي يسعى إلى الإعتراف بالأمر الواقع، وتشير إلى أن المسؤولين العراقيين عبّروا عن ذلك في السابق، من خلال الحديث عن ضرورة تسليم إدارة المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم "داعش" إلى سكانها.

وفي حين كانت التوقعات والتحليلات تشير إلى إمكانية البدء في مرحلة الحلول السلمية، بعد توقيع الإتفاق بين طهران والدول الكبرى، تشدد المصادر على أن هذا الأمر يبدو مستبعداً في المرحلة الراهنة، وترى أن الأزمات القائمة قد تمتد سنوات قبل الوصول إلى أي حل، خصوصاً أن كل الأفرقاء غير مستعدين لتقديم أي تنازل.

في المحصلة، تبدو لغة الدم والنار طاغية حالياً في المنطقة، بحيث تغيب ملامح الحلول السياسية، تحت غطاء دولي يتولى وضع الضوابط للحروب الداخلية، التي تمثل بدورها غطاء لحرب باردة على المستوى الإقليمي، سيخرج الجميع منها خاسراً في النهاية.