في ظلّ إنشغال مختلف الأوساط الإعلامية والسياسية بالمجزرة التي إرتكبتها "​جبهة النصرة​" الإرهابية في جبال السماق في ​ريف إدلب​، بحق عدد من المواطنين السوريين الدروز، تتجه الأنظار إلى محافظة السويداء، التي تعيش قلق سيطرة "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" على المناطق القريبة منها.

وفي الوقت الذي تُطرح فيه الكثير من السيناريوهات حول مستقبل الأوضاع هناك، لن تكون الساحة اللبنانية بعيدة عنها، خصوصاً في ظل تأثرها الكبير بالزعامات، الأمر الذي ترجم بالأمس بالعديد من البيانات التي صدرت عن مختلف القوى الفاعلة على الساحة الدرزية.

حتى الآن، لا يبدو أن رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة لـ"النشرة"، في وارد التخلي عن رهاناته على جناح تنظيم "القاعدة" في بلاد الشام، أي "جبهة النصرة"، بالرغم من أن التجربة التي قام بها في ريف إدلب لم تكن ناجحة، لا سيما بعد إعلان زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني أن جبهته أرسلت إلى الدروز بعد الدخول إلى بلداتهم من "يصحّح" عقائدهم، وينبش قبور أوليائهم، لأن زيارة القبور عمل "شركي".

"الحجة" الدائمة التي يقدمها رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي"، في دفاعه عن الجبهة، هي أن عناصرها من أبناء الشعب السوري، إلا أن "النصرة" نفسها تنفي هذا الأمر، وتؤكد على لسان مسؤوليها بأن ما يقارب 30% منهم من الأجانب الذين هبّوا لـ"نصرة" السوريين مع إندلاع الأحداث، كما أنّ أميرها في جبال السماق، أي المسؤول عن القرى والبلدات الدرزية في ريف إدلب، هو المدعو أبو عبد الرحمن التونسي.

بالأمس، لم يجد مناصرو "القاعدة"، بحسب ما تشدّد المصادر المطلعة، بعد أن شن الكثير من المعارضين هجوماً واسعاً عليهم نتيجة ما حصل، أفضل من بيان "الحزب التقدمي الإشتراكي" ومواقف النائب جنبلاط من أجل الدفاع عن أنفسهم، بعد أن تم تصوير ما حصل في بلدة قلب لوزة بأنه مجرد حادث عادي، من الممكن معالجة آثاره عبر الإتصالات السياسية، مع العلم أن "البيك" كان قد أكد في وقت سابق أن وساطاته، مع الجانبين التركي والقطري، ساهمت في حماية دروز إدلب، بعد تنازلهم عن معتقداتهم وإستسلامهم لتوجهات "النصرة".

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر المصادر نفسها أن الخطر الحقيقي يتعلق بالأوضاع في محافظة السويداء، التي يدعو رئيس "اللقاء الديمقراطي" أبناءها إلى الإلتحاق بـ"الثورة"، ما يعني تكرار سيناريو ريف إدلب، أي الإستسلام لنهج "النصرة" أو "داعش" من تخلٍّ عن الشعائر والمقدسات، وإنتظار من "يصحح" لهم عقائدهم، إلا أن الأزمة الفعلية في مكان مختلف كلياً يبدو أن من يتولى رسم المخططات في المنطقة يريد الوصول إليه تحديداً، وهي في الحديث عن إحتمال تدخل الجانب الإسرائيلي في الأوضاع هناك تحت عنوان حماية الأقلية الدرزية المهددة بالقتل، في حين يدرك الجميع أن الفصائل المسلّحة التي تقاتل في الجنوب السوري تدار من قبل غرفة عمليات يشارك فيها ضباط من الجيش الإسرائيلي، ما يشير إلى أن حكومة تل أبيب كانت قادرة على الطلب من هؤلاء عدم إستهداف أهالي السويداء، لكنها على العكس من ذلك تريد منهم أن يطلبوا "الحماية" منها من أجل إعطاء "الشرعية" لتدخلها، لتحقيق أحلامهم القديمة.

وعلى الرغم من تحذير النائب جنبلاط، بالأمس، بشكل واضح من التحريض الإسرائيلي حول العرب الدروز في سوريا، تحمّل هذه المصادر "البيك" المسؤولية الرئيسية عما قد يتعرضون له في المستقبل، نتيجة "تحريضه" الدائم عليهم بسبب مواقفه من النظام السوري، وترى أنه كان عليه أن ينأى بنفسه عن أوضاعهم بدل أن يتدخل بطريقة تضرّ بهم، وتسأل: "هل نسي كيف حلّل دم من يقف إلى جانب الدولة السورية من الدروز في العام 2013 بعد أن فشل في تبديل مواقفهم؟"

من وجهة نظر هذه المصادر، ما قامت به "النصرة" في ريف إدلب لا ينفصل عن الأجواء التي تشاع في السويداء، في ظل المعارك التي تخاض من حولها، وترى أن هناك فعلياً من يريد أن يدفع بالدروز هناك إلى طلب الحماية من إسرائيل بعد مشاهدتهم عمليات ذبح اخوانهم في قلب لوزة، وفي حال رفضوا القيام بذلك ستكون سكين "النصرة" أو "داعش" بانتظارهم، مع أن الحل الأفضل هو تشجيعهم على الوقوف بوجه هذه المخطّطات، خصوصاً أن تجربة كوباني حاضرة أمامهم.

في المحصّلة، ستكون الساحة اللبنانية في الأيام المقبلة على موعد مع توتّر جديد، عنوانه الأحداث في السويداء السورية، ولكن هل تبقى تداعياتها محصورة هناك أم أنها ستمتد لما هو أبعد من ذلك بكثير؟