لم يأتِ تشديد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على ضرورة انعقاد مجلس الوزراء وعودة تحديد الموعد الى رئيس الحكومة، إلا من باب الحرص على الصلاحيات الدستورية التي يحظى بها رأس السلطة التنفيذية وعدم السماح لفريق فيها بالاستمرار في تعطيلها ومنع التئام جلساتها، وبعدما أصبح من باب التسليم عند البعض ان شهر رمضان سيمر من دون رؤية الوزراء حول طاولة السرايا.

وبات هذا الموضوع محل قلق عند الرئيس تمام سلام وفريق "تيار المستقبل" الذي لا يقبل بالتفرج على عرقلة عمل الحكومة و"الخضوع" لمطالب رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون الذي يضرب ويصوّب بقوة على اليد التي توجع هذا الفريق. وكان كلام المشنوق واضحاً في إشارته إلى أن فرص المساعي السياسية لن تستمر الى الأبد.

وتُبحث هذه المسألة في الصالونات السياسية الضيقة بعيداً من الضجيج الاعلامي تحسباً لأي "دعسة ناقصة"، قد تؤدي الى غضب وزراء عون الذين يصرون على إدراج تعيين قائد للجيش في جدول الاعمال والعودة الى السرايا في هذه المسألة. ومن دون ان يكشف وزيرا "حزب الله" خطوتهما حيال هذا الامر اصبح في حكم المؤكد انهما لن يلبيا الدعوة الى اي جلسة من دون حضور حليفهم.

وأمام سبل الافق الموصدة يعتقد مرجع ان "تيار المستقبل" لن يستطيع تحمُّل تعطيل الحكومة وعدم عقد جلساتها و"ستطلع الصرخة في النهاية".

في المقابل يذكر بعض ممن لا يلتقون و"المستقبل" بأن الحديث عن صلاحيات رئيس الحكومة مزمن يعود الى ايام حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة وحكومة الرئيس سعد الحريري وصولاً الى حكومتي الرئيس نجيب ميقاتي وسلام، ان الصلاحيات التنفيذية الكبرى "محتكرة" في يد رئيس الحكومة الذي يمثل الموقع الرسمي الاول في البلاد في ظل غياب رئيس للجمهورية، ويقوم سلام بزيارات للخارج ويلتقي رؤساء الدول وملوكها وآخر محطاته كانت في مصر حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويدرك عون جيداً نقاط الضعف عند الفريق المتحمس للدعوة الى انعقاد جلسات الحكومة ولسان حاله يقول لهؤلاء "إذا كان في إمكانكم دعوة الحكومة واجتماعها فأقدموا على هذا الأمر من دوننا".

ويعتقد مراقبون انه في حال انعقاد مجلس الوزراء من دون ممثلي عون فسيقدم على استغلال ذلك لدى الرأي العام المسيحي الى أبعد الحدود، ولا سيما في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية فضلاً عن غياب مكوّن مسيحي في حجم حزب "القوات اللبنانية" عن الحكومة.

ويرى هؤلاء ان معركة التوازنات ستطفو على السطح السياسي غير المتماسك في الاصل، وان ما يتحدث عن وزراء في "المستقبل" هو تهويل لن يتجاوز حدود التصريحات ولن ينعقد مجلس الوزراء بهذه السهولة قبل الدخول في تسوية مع عون والاصغاء جيداً الى مطالبه والوقوف عند هواجسه.

وكان سلام تلقّى في الايام الاخيرة جملة ملاحظات من سياسيين ودستوريين في "التيار الأزرق" تفيد بأن سياسة التروي التي ينتهجها سيكون عون أول المستفيدين منها ولن يبادل الحكومة و"المستقبل" هذا النوع من السياسات الهادئة. وثمة من يعترض في الطائفة السنية على نهج التوافق الذي سلكه سلام منذ الجلسة الاولى لحكومته في اصدار القرارات واتمام البنود الموضوعة في جدول الاعمال وكان الافضل تطبيق المادة 65، لأنه لا يجوز لفريق تعطيل عمل الحكومة كما هو حاصل والتدخل في جدول الاعمال الذي يضعه رئيس مجلس الوزراء الذي يلقى دعما من عين التينة.

وبعدما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري كلمته في الحكومة وأبرز حرصه على استئناف جلساتها، اخذت علامات التشاؤم تخيم على أجوبته، لعدم قدرة الأفرقاء على تجاوز الالغام التي تهدد الحكومة وبت الملفات الاقتصادية ومطالب القطاع الزراعي والقروض المالية المهددة اذا لم يعاود مجلس الوزراء عمله المعتاد.

وتهرباً من الدخول في هذا الملف الشائك وسواه يأخذ بري زواره الى مكان آخر عندما يسألونه عن الواقع الذي يعيشه اللبنانيون، ليقص عليهم واقعة جرت في احدى بلدات كسروان. وفي تفاصيلها ان شاباً من آل الخازن يدعى طنوس كان على خلاف مع شخص في المنطقة. وحصل شجار بين الاثنين واقدم الخازن على قتل ذاك الشخص، وعندما أُحضر ابن الخازن امام القاضي دبت حال من الفوضى بين الشهود ولم يتمكن رئيس المحكمة من التدقيق في معرفة تفاصيل الحادثة، الامر الذي دفعه الى الاستماع الى رواية الخازن الذي أخبر القاضي انه كان يدخن النرجيلة في حديقته وتقدم منه المجني عليه واخذ في استفزازه والنيل من كرامته. ولم يتوان الخازن عن اطلاق النار وقتل الشاب الذي يواجهه و"أصبته في دماغه، لكنه عمد الى اطلاق النار وأصابني في قدمي".

تلقّى القاضي هذه الرواية باستغراب ودقق في استهداف الجاني رأس الضحية ودماغه.

يروي بري هذه القصة التي شهد عليها الراحلان رشيد والياس الخازن عندما حضرا الى المحكمة لمعرفة مصير ابن عمهما. ويخلص رئيس المجلس الى اسقاط هذه الواقعة على حال اللبنانيين اليوم قائلاً ان "البلد يسير اليوم من دون دماغ ورئيس".