زادت اعتداءات وجرائم المستوطنين(1)في الضفة الغربية المحتلة في الفترة الأخيرة بأشكال متعددة كالحرق والاعتداء والقتل المباشر، من دون أن يتغلّب الفلسطينيون على انقسامهم في مواجهتها، في ظلّ صمتٍ عربي ودولي لا يبدو قابلاً للكسر في الوقت الراهن.

وفي وقتٍ يرى مختصّون أن هؤلاء المستوطنين ينفذون سياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ويلقون دعماً سياسياً وأمنياً منقطع النظير، يُتوقّع أن تشهد الفترة المقبلة جرائم واعتداءاتٍ إضافية، على غرار جريمة قتل الرضيع الفلسطيني علي دوابشة وعائلته في قرية دوما جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، باعتبار أنّهم يعملون وفق استراتيجية مبرمجة ومنظمة.

دعم سياسي وحكومي

وفي هذا السياق، يشير الخبير واللواء العسكري ​يوسف الشبراوي​ إلى أنّ المستوطنين ينفذون سياسة دولة، وتحديدًا سياسة حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لافتاً إلى أن تاريخ الحركة الصهيونية منذ ما قبل النكبة حتى الآن لم يتغير بوصفها حركة إرهابية مكونة من العصابات التي تعمل على اغتصاب الأرض والتطهير العرقي.

وفي حديث إلى "النشرة"، يؤكد الشبراوي أنّ الاعتداءات التي حصلت مؤخراً غير مستغرَبة "لأنّ ثقافة الإجرام الصهيوني وسياقه على مدار التاريخ ولا يمكن لجمه إلا بالمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة"، مشيراً إلى أنّه "لا يمكن لسياسة أن تتفاوض بدون قوة".

الأمر نفسه يؤكّده غسّان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، حيث يعزو في حديث لـ"النشرة" تزايد وتيرة اعتداءات المستوطنين في فلسطين، لعدم وجود رادع وعقاب، مشدداً على أن حكومة الاحتلال هي حكومة استيطان وتركيبة وزرائها غالبيتهم من المستوطنين اليهود.

ولا يختلف منسق تجمع شباب ضد الاستيطان في مدينة الخليل ​عيسى عمرو​ عنهما، إذ يرى في حديث لـ"النشرة" أنّ المستوطنين يعملون وفق خطة عدم التصعيد الكامل والعودة بشراسة وبشاعة أكبر وتنظيم صفوفهم بشكل مبرمج ومدروس، ويلفت إلى أنّهم يشعرون بالدعم المباشر من حكومة نتانياهو، ويتحدّث عن رصد دعم حكومي لهم مؤخرًا يُقدَّر بـ270 مليون شيكل إسرائيلي، أي ما يعادل قرابة سبعة ملايين دولار أميركي.

الانقسام الفلسطيني..

ولعلّ حالة الانقسام الفلسطيني تُعتبر الداء الأساسي الذي يفتح المجال واسعًا أمام هذه الاعتداءات، ويوضح الشبراوي في هذا الإطار أنّ هذا الانقسام هو الذي يجعل المدن الفلسطينية أرضاً خصبة لهذه الاعتداءات، ويقول: "الفلسطينيون لم يتغيروا منذ أن أفشلهم الاقطاع السياسي الذي أفشل ثورتهم قبل النكبة، وحالياً يتكرر ذات الشي كإقطاع سياسي متحالف مع الأمن والمال" حسب قوله.

أما دغلس، فيشدّد على أنّ الرادع لهذه الاعتداءات لا يمكن أن يكون إلا توحيد الصف الفلسطيني، واستمرار المقاومة الشعبية في مناطق الضفة الغربية المحتلة، محذراً من أنه يمكن أن نشهد جرائم أكثر من جريمة حرق عائلة دوابشة جنوب نابلس. ويضيف: "مطلوب أن نكون أكثر قوة على الأرض". وعن موقف السلطة الفلسطينية إزاء ذلك، يوضح دغلس أن السلطة تتعامل مع واقع مرير وهي جغرافيًا مقسّمة ومجزأة بالضفة الغربية المحتلة(2)، كما أنّ الاحتلال موجود على المستوى السياسي أيضاً.

ويتفق مسؤول ملف الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة عيسى عمرو مع الطرح القائل بأنّ الاعتداءات قد تزيد بوتيرة أقوى في الفترة المقبلة نظراً لعدم وجود رادع للمستوطنين. ويشير عيسى الذي تعمل مجموعته على التصدي لاستيلاء المستوطنين على منازل الفلسطينيين، وتشجيع صمود الفلسطينيين في منازلهم وأراضيهم، إضافة إلى التظاهر والاحتجاج ومقاومة الاستيطان، إلى أنّ "هذه الجرائم تأتي في ظل تزايد التطرف الموجود من قبل داعش في أكثر من دولة عربية، إضافة إلى الصمت الدولي على مثل هذه الجرائم".

في الختام، طالما أنّ الفلسطينيين مصرّون على تعزيز انقسامهم، حتى في مواجهة الاعتداءات التي يتعرّضون لها، فإنّ الأكيد أنّ قضيتهم المُحِقّة ستبقى الخاسرة الأكبر، ولن يُلام أحدٌ غيرهم على ذلك!

(1)"المستوطنون" عبارة عن مجموعات منظمة تحظى بدعم حكومي إسرائيلي كامل على المستوى السياسي وعلى مستوى الجيش الإسرائيلي، ويلعبون دوراً مميزاً في السياسة الإسرائيلية، ويشكل المستوطنون المتدينون حوالي 130 ألفاً من أصل نصف مليون مستوطن، ويتمثلون في كتل برلمانية مثل مجلس "ييشاع" و"غوش أمونيم" اللتين تُعتبَران في اليمين السياسي في إسرائيل.

ومن أكبر المجموعات التي تبرز في اعتداءاتها على الفلسطينيين، مجموعة "تدفيع الثمن" ومخلفات حركة "شاس" و"كاهانا" الإسرائيلية، إذ تعد من أكثر الجماعات تطرفاً، ولها قيادات إسرائيلية متطرفة.

(2)يوجد في مناطق الضفة الغربية المحتلة، 184 مستوطنة موزعة على عدة مناطق فلسطينية إضافة إلى القدس المحتلة، منهم 176 بؤرة استيطانية، في وقت بلغ عدد المستوطنين حتى الآن 654 ألف مستوطن، ويلقون دعماً على المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي.