لفشل في الوصول إلى رزمة تفاهمات يعني الإنزلاق بإتجاه المجهول

تنحسر العاصفة الرملية التي ضربت لبنان لعدة ساعات اليوم، غير أن العاصفة السياسية والمطلبية على ما يبدو ستستوطن لفترة طويلة طالما أن الأهداف والأولويات متضاربة وكل فريق يغنّي على ليلاه، وإن كان الحوار الذي سينطلق اليوم يشكّل على حدّ تعبير أحد رجالات الدين بقعة الضوء وسط الظلام الذي يضرب لبنان والمنطقة.

صحيح أن هناك فرزاً واضحاً في وجهات النظر بين الذين سيجلسون حول الطاولة في الطبقة الثالثة في مقر البرلمان حيال المواضيع التي يلحظها جدول الأعمال، إلا أن التشكيك في جدوى هذا الحوار لا يقع في محلّه سيّما وأن كل القوى السياسية باركت للرئيس برّي هذه الخطوة وبادرت بعد الدقائق الأولى من إطلاقها في النبطية إلى الترحيب بها وإبداء الاستعداد للمشاركة فيها، وهذا يعكس اعترافاً ضمنياً من الجميع بأن هذا الحوار يُشكّل الملاذ الوحيد لتبريد الأجواء بعد أن بلغت الخلافات والتجاذبات منسوباً عالياً بات ينذر بالإنزلاق إلى المجهول، خصوصاً وأن العامل الإقليمي والدولي الذي لطالما كان يتدخل في مثل هذه الحالات في لبنان هو غائب اليوم لانشغاله بقضايا وأزمات يعتبرها متقدمة كثيراً عن الأزمة في لبنان، وهو ما يعني أن لا مفر من هذا الحوار طالما أن البديل هو السقوط في الهاوية.

من هنا فإن التضارب في الرأي حيال أولويات الحوار لا يجوز أن يكون سبباً في تفجيره، خصوصاً وأن رئيس المجلس لم يضع جدول الأعمال من عندياته بل أجرى وفق أوساطه مروحة من الاتصالات والمشاورات سبقت مهرجان النبطية واستمزج رأي من تواصل معهم في الداخل والخارج بالنسبة لمبادرة الحوار بحد ذاتها ومن ثمّ بالبنود التي سيتضمنها جدول الأعمال ولم يلمس وجود اعتراضات جوهرية على هذه البنود التي رتبها بدقة وعناية وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية في هذا الظرف ولم ينطلق في ذلك من أية خلفيات سياسية أو غير سياسية بل وضع نصب عينيه مصلحة البلاد والعباد ولا أي شيء آخر.

وأكّد الرئيس برّي امام زواره قبل ساعات قليلة من انطلاق القطار الحواري ان جلسة الحوار هي ملك المتحاورين وأول بند فيها هو انتخاب رئيس للجمهورية، مشيراً إلى ان استطلاع الرأي يقول ان 78 بالمئة مع الحوار و82 بالمئة مع الحراك المطلبي، وهذا يعني ان النّاس تريد الحل.

وجدّد رئيس المجلس تأييده لهذا الحراك والمطالب المحقة، مذكراً بأن حركة «أمل» قامت مع الإمام السيّد موسى الصدر لأسباب أقل مما يطالبون بها اليوم وهو قدم عشرين بنداً إصلاحياً.

وبحسب زوّار عين التينة فإنه سيكون للرئيس برّي اليوم كلمة في مستهل الجلسة وسيكون صريحاً واضحاً في مقاربة كل الملفات المطروحة، وهو سينبه إلى المخاطر التي تعصف بالمنطقة وتداعيات ذلك على لبنان الذي لن يتمكن من المواجهة في ظل الانقسام الموجود فيه، كما ان الرئيس برّي سيضع الجميع امام مسؤولياتهم في هذه المرحلة مع تشديده بأن أي فشل للحوار لا يعنيه وحده بل يعني الجميع.

وترى أوساط سياسية متابعة انه لا يجوز تقييد الحوار ببند الانتخابات الرئاسية طالما ان الجميع يعرف بأن العناصر المحلية والإقليمية والدولية غير متوافرة لإنجاز هذا الاستحقاق في وقت قريب، كما انها لا ترى أملاً في التفاهم السريع على قانون انتخاب جديد، وهي امام هذا الواقع ترى انه لا ضرر في مقاربة جدول الأعمال كعناوين في المرحلة الأولى والذهاب في اتجاه التفاهم على البنود التي من الممكن التفاهم عليها في ظل هذا الوضع، لأنه في حال تمترس كل فريق وراء موقفه فهذا يعني ان الحوار لن يكون له أي مفاعيل إيجابية على الساحة الداخلية لا بل يُخشى ان يزيد الأمور تعقيداً.

وتلفت الأوساط إلى ان الحوار بطبعته الثالثة مختلف عن الجلسات السابقة من حيث المضمون أولاً وثانياً بالنسبة للظروف المحيطة به إن على مستوى الداخل أو الخارج وهذه الظروف أخطر بكثير مما كانت عليه في الأعوام الماضية وهو ما يحتم على الجميع التعاطي مع الحوار الحالي بنظرة مختلفة بعيداً عن أية دعسة ناقصة، فلبنان اليوم أشبه بمن يقف على حافة الهاوية او يجلس فوق فوهة بركان وأي خطأ في الحسابات السياسية سيكون مكلفاً على الجميع وليس على فريق سياسي معين.

وفي تقدير الأوساط انه من المهم ان لا يسمح راعي الحوار بتوسيع بيكار الناقش في اتجاه مواضيع

أخرى تتجاوز بنود جدول الأعمال لأن في ذلك دخول جديد في الدوامة والذهاب بالحوار ليكون أقرب إلى حكاية «إبريق الزيت» التي لا نهاية لها.

وتقول هذه المصادر انه طالما ان كل القوى السياسية تعتبر إعادة احياء الحوار في هذا الظرف الخطير حاجة، فمن الضروري ان يتم التعاطي معه من خلفية وطنية بعيداً عن أية حسابات سياسية ضيقة، معربة عن خوفها من ان يؤدي تعامل مع الأفرقاء مع بنود الحوار على أساس ان انتخاب الرئيس أولاً أو الانتخابات النيابية أولاً سيؤدي إلى خسارة فرصة ثمينة من الممكن ان تجنّب لبنان الإنزلاق إلى المجهول وهي ربما لن تتكرر أقله في وقت قريب.