يحاول الصياد الفلسطيني "أبو أمجد" إصلاح شباكه التي تمزقت في عرض بحر غزة، بعدما تعرض لمطاردة من قبل بحرية الاحتلال الإسرائيلي(1)، وهو يعيد تخييط أجزائها الممزقة من الأمام والوسط، وقد ظهرت عليه علامات الإرهاق والتعب ويجلس مع زملائه في ميناء الصيادين على شاطئ بحر غزّة.

مشهد يعكس إصرار الصياد الأربعيني رشاد عبد الله، كغيره من صيادي غزّة على الصمود وتحدي بحرية الاحتلال الإسرائيلي التي تحاربهم في رزقهم كما يقولون، من خلال الاعتداء عليهم ومطاردتهم ومصادرة آلاتهم وممتلكاتهم في عرض بحر غزة بشكل يومي ومتعمّد، في ظل حصار بحري وبري مفروض على القطاع منذ تسعة سنوات.

ويقول لـ"النشرة"، إن "مسلسل الاعتداء علينا أصبح بشكل يومي، إذ تُمزق شباكنا، وتصادر آلاتنا ومعداتنا، ونعتقل وغير ذلك، لكننا مصرون على الإبحار بحثاً عن الرزق".

سياسة تركيع..

يصف أمين سر نقابة الصيادين الفلسطينيين في غزّة، أمجد الشرافي، عملية الصيد في بحر غزة بالمدمّرة، إذ إنّ الاحتلال يريد أن يُبقي الصيادين في عمق المعاناة والمطاردة ويحرمهم من مهنتهم الأساسية من أجل ترك البحر، واستخدام سياسة التركيع والتجويع.

وفي حديث لـ"النشرة"، يعتبر الشرافي أن بحرية الاحتلال الإسرائيلي تستهدف الصيادين الفلسطينيين، لأنّهم ثاني أكبر قطاع انتاجي في غزة بعد الانتاج الزراعي، من خلال استهدافهم بأموالهم وممتلكاتهم ومراكبهم، وتدمير الانتاج القومي الذي يمثل أكثر من 15% من منتوج الاقتصاد الفلسطيني.

وأوضح الشرافي أن الصيّاد الفلسطيني حقوقه ضائعة، في ظل سنوات الحصار وأشكال الفقر والحرمان والاعتداءات المتكررة، "لكنّه صامد وصابر في مهنته رغم كل شيء".

وأضاف الشرافي وهو الناطق باسم نقابة الصيادين أيضاً: "نرفض سياسات الاحتلال العدوانية تجاهنا، ولن نتخلى عن البحر حتى لو صادروا ودمروا كل ممتلكات الصيادين، ولنا الشرف أن نكون في الخندق الاول في مواجهة الاحتلال بعرض البحر".

اعتداءات مختلفة

وعن أشكال الاعتداءات والمطاردات للصيادين في عرض بحر غزة، يقول الصياد الفلسطيني جميل أبو الخير، "إننا نتعرض لإطلاق نار مباشر من قبل الزوارق البحرية الإسرائيلية، ومصادرة آلاتنا ومعداتنا، ومحاولات عدة لإغراقنا من خلال الطرادات الإسرائيلية، إضافة إلى ألفاظ نابية ولا أخلاقية نسمعها من جنود الاحتلال داخل البحر".

وفي حديث لـ"النشرة"، يوضح الصياد أبو الخير أن الصيادين الفلسطينيين يخاطرون بأرواحهم من أجل لقمة العيش، واصفاً ما يحدث معهم من قبل بحرية الاحتلال الاسرائيلي بساحة مواجهة في عرض البحر.

ويضيف الصياد وهو رب لأسرة مكونة من ثمانية أفراد: "كل يوم هنالك اعتداءات واعتقالات، البحر هو مصدر رزقنا الوحيد، ورغم ذلك نتعرض للخطر لأجل أن نعيش رغم الظروف القاسية، ونُطعم أطفالنا".

مساحة محدودة

"البحر مغلق أمامنا" هذا ما يؤكد عليه الصيّاد رشاد عبد الله، في ظل سماح قوات الاحتلال الإسرائيلي للصيادين الفلسطينيين بالصيد في مساحة محدودة تُقدر بـ6 أميال بحرية، وذلك بعد تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي وقع بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في أغسطس 2014، وسماحها مسبقاً بـ12 ميل.

ويوضح الصيّاد عبد الله لـ"النشرة"، أن البحر محصور بهذه المساحة المحدودة، والتي أصلاً لا توجد بها أسماك وفيرة، مضيفاً: "بالكاد نستطيع صيد أنواع عادية من الأسماك الصغيرة في هذه المنطقة، ونعمل بسعر الوقود الذي نزوده لمراكبنا، منذ ساعات الفجر وحتى مساء كل يوم".

ويقول عبد الله، "إن الأسماك ذات الأنواع الجيدة والوفيرة تتواجد ما بعد مساحة الـ6 ميل، وأنّ الصيد لحقيقي يكون على مسافة 20 ميلاً، حيث تتواجد الصخور بكثافة والتي تتّخذ الأسماك منها موطناً لها. لكن في حال دخولنا لما بعد مسافة 6 ميل نتعرض لاعتداءات ومطاردة في عرض البحر".

ويضيف: "هذه حياتنا، نعيش في معاناة، ونواجه معاناة ومواجهة أخرى بشكل يومي في بحرنا الذي من المفروض أن نصيد ونُبحر فيه بحُريّة".

رائحة كريهة وأمراض جلدية!

ويكشف الصياد عبدالله عن استخدام بحرية الاحتلال في مطاردتها للصيادين داخل بحر غزة، لمياه تحتوي على رائحة كريهة تسبب أمراض جلدية وفق قوله، ناهيك عن عملية المطاردة من خلال خراطيم المياه ذات الأحجام الكبيرة التي يفتحها الاحتلال على مراكب الصيادين في محاولة لإغراقها في عرض البحر.

ويضيف عبدالله: "أكثر من مرة لاحظنا استخدام جنود الاحتلال لمياه تحتوي على مواد وغازات تسبب رائحة كريهة، أظهرت أمراض في الجلد"، مشيراً إلى أن "جنود الاحتلال يستخدمونها بشكل متعمّد".

أما بالنسبة للصياد جميل أبو الخير، فيتفق مع ما قاله زميله عبدالله، في ما يتعلق بمحدودية المساحة المسموح بها للصيد واصفاً إياها بـ "الصحراء".

كيف يمكن وقف الانتهاكات والاعتداءات؟

ومع تواصل الاعتداءات والانتهاكات بحق الصيادين الفلسطينيين، يرى أستاذ القانون في جامعة الأزهر بغزة، رامي وشاح، أن معاناة واعتداءات الصيادين لا يمكن أن تنتهي إلا برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة بشكل كامل، لافتاً إلى أنّ معاناة الصيادين لها خصوصية إذ يتطلب رزقها ركوب البحر ما يدفع لساحة مواجهة مع الاحتلال بشكل يومي.

وفي حديث إلى "النشرة"، يقول وشاح، "إن الصياد الفلسطيني أصبح مضطراً لخوض مواجهة مباشرة مع الاحتلال بشكل يومي، من خلال ركوب البحر لأجل البحث عن رزق له ولأفراد أسرته"، مشيراً إلى أن ما يتعرض له الصيادون هو جزء من الحصار المفروض على قطاع غزة.

وأوضح وشاح، أن "إسرائيل" لا يمكن أن تقبل بفكرة رفع الحصار البحري وحده، والفلسطينيون لا يقبلون إلا برفع الحصار الذي يمثل عربدة إسرائيلية وتعالي على القانون الدولي بشكل كامل، مشدداً على ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي ضمن منظومة قانونية برفع الحصار بصفة شاملة.

وأكّد أستاذ القانون، أنّ المجتمع الدولي يقف عاجزاً أمام ذلك، لكنه في أي دولة أخرى يستطيع التحرك واتخاذ قرارات، وعندما يصل الأمر إلى "إسرائيل" التي يعتبرها مركز قوى يقف المجتمع الدولي عاجزاً أمام فعل أي شيء.

وأضاف وشاح: "هذا ما نشهده من العام 1948 وحتى الآن، مع ذلك تبقى المعاناة مستمرة".

للاطلاع على المزيد من الصور اضغطهنا

(1)بلغ عدد حوادث إطلاق النار تجاه الصيادين في المساحة المسموح بها بالصيد في مناطق شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، (13) حادثة إطلاق نار، أدت إلى إصابة (3) صيادين فلسطينيين بجراح أثناء مزاولتهم مهنة الصيد، واعتقال (10) صيادين واحتجاز (5) قوارب وشباك صيد، وإتلاف قارب صيد في تلك الاعتداءات في الفترة من ( 1 يوليو وحتى 31أغسطس 2015) بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.