هل صحيح أنّ الجيش العربي السوري لم يعد قادراً على الدفاع عن الدولة السورية، وأنّه لم يعد مؤهلاً لصدّ العدوان عليها، الأمر الذي كان وراء دخول الروسي على المشهد العسكري في المواجهة والمعركة التي تدور منذ سنوات في سورية، وهل صحيح أنّه سوف يقوم بحماية القيادة والدولة السورية من السقوط والانهيار كونهما أقرب إليها، وهل صحيح أنّ ذلك يعني أيضاً أنّ القوّات الإيرانية إضافة إلى المقاومة اللبنانية، والتي تمّ الحديث عن وجودهما خلال شهور ماضية، على أنّهما يقاتلان إلى جانب الجيش العربي السوري، لم يستطع هؤلاء جميعاً من ردّ هذا العدوان؟.

لا يمكننا الحديث عن دخول عسكري روسي على المشهد السوري من دون أن ننصت لكثيرين وهم يعتبرون أنّ أساس وأهداف هذا الدخول كانت عسكرية، بالتالي لا يمكننا إلا أن نربط بين جملة متناقضات تنشأ نتيجة هذه الاعتبارات أو التكهنات، أو حتى الاتهامات، والتي تبدو في اتجاهات متعددة ومتنوعة، إضافة إلى اعتبار أنّ هذا الدخول الروسي على المشهد إنما هو مصادرة كاملة لسيادة الدولة السورية، كونه جاء نتيجة تراجع وتهالك القوة العسكرية الرئيسية للدولة.

إن حقيقة الأسباب التي دعت لتبدّل في مشهد الاصطفافات العسكرية للمواجهة الحاصلة على مستوى المشهد السوري كامنة في طبيعة المواجهة المركبة، والمعركة الكلية الحاصلة على أكثر من مستوى وأكثر من صعيد، إذ أنّه ليس منطقيّاً أو موضوعيّاً أن يكون هذا الدخول الروسي نتيجة عدم قدرة الجيش العربي السوري إضافة إلى القوات المفترضة المقاتلة الحليفة التي تقف إلى جانبه، باعتبار أنّ مثل هذه الفرضيات تعاني من جملة ملاحظات وتناقضات كبيرة، أوّلها أنّ القوّة العسكرية التي تواجه الإرهاب في سورية، هذا إذا سلمنا أنّ هناك قوات إيرانية تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السورية، لم تستطع حسم المعركة أو حماية الدولة، وهذه واحدة لا نعتقد أنّها منطقية، خصوصاً أنّ ذات الجهات التي تؤكد هذه المقولة ترى في القوات الحليفة للدولة السورية بأنّها قوات قادرة على الحسم في أكثر من موقع ومكان في آن معاً.

ثم لا بدّ من الانتباه قليلاً إلى أنّه في ظلّ هذه الفرضية نرى أنّ القوات الروسية سوف تقاتل «داعش» وأخواته دفاعاً عن الدولة السورية، والسؤال هنا: إذن ماذا تفعل القوات الأميركية التي تقود «التحالف الدولي» لمواجهة «داعش»، هل يعني ذلك أنّها تدافع عن الدولة السورية أيضاً، بالتالي أضحت الأهداف الأميركية الروسية واحدة لجهة الدفاع عن الدولة السورية ومنعها من السقوط والانهيار أمام الإرهاب الواقع عليها؟.

لا نعتقد أنّ الدخول العسكري الروسي على المشهد جاء في سياق عسكري صرف، وإنّما جاء كي يرسخ مشروعية الدولة السورية في الدفاع عن ذاتها، وكي يمنحها سياسيّاً إمكانية إضافية في جذبها باتجاه اصطفاف دولي لمواجهة هذا الإرهاب، كون أنّ هذا الدور الروسي سيشكل عقدة ربط رئيسية في مشهد علاقات متداخلة لجهة عنوان محدّد ألا وهو مواجهة الإرهاب، باعتبار أنّ هناك فعل عطالة كان واضحاً في منع إيجاد اصطفاف دولي حقيقي تدخل عليه سورية وإيران، بالتالي تُمنح سورية مشروعية حقيقية لمواجهة الإرهاب الذي يقع عليها وتستعمله بعض قوى «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة.

إنّ «التحالف» الذي تقوده واشنطن لمواجهة «داعش» على مستوى المنطقة منح الإدارة الأميركية مزيداً من الاستثمار في العنف وفي «داعش»، وأبقت عليه «تحالفاً نظيفاً» من أيّ قوّة خارج النسق الأميركي الذي سوف يؤهلها أخيراً لملء فراغ كان يمكن لآخرين أن يتقدموا ويملأوه، وهو ما يمكن أن يفوّت عليها إمكانية الاستثمار في هذا الإرهاب وهذا العنف، وهنا علينا أن نتذكر جيّداً كيف كانت واشنطن تحاول منع إيران وسورية من الدخول على هذا «التحالف»، وكيف أنّها قدّمت نفسها على أنّها الوحيدة القادرة على مواجهة هذا الإرهاب.

لقد فشلت الإدارة الأميركية بداية من الاستثمار في العنف سبيلاً إلى إسقاط الدولة السورية، وبعد أن تمّ تظهير هذا العنف على أنّه إرهاب صرف، أرادت الإدارة الأميركية أن تتزعم «القضاء» عليه، بغيّة استمرارها في الاستثمار فيه من جديد، لكن بطريقة أخرى، وهو السبب المباشر الذي جعلها تعمل على إيجاد قوّة حقيقية للقضاء عليه، كون أنّ أيّ قوّة حقيقية للقضاء على هذا الإرهاب سوف يفقدها الأداة الرئيسية التي تستعملها في عدوانها على سورية والمنطقة.

في ظل هذا المشهد الذي مرّت عليه شهور عدة والإدارة الأميركية تستثمر في هذا الإرهاب بطريقة جديدة، يتقدم الروسي كي يهدّد هذا الاستثمار الأميركي، من خلال فرض معادلة مواجهة حقيقية يتم القضاء من خلالها على هذا الإرهاب، وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى النيل من الدور الذي تلعبه الإدارة الأميركية لجهة عدوانها على المنطقة وسورية بالتحديد.

لقد كان مطلوباً من الروسي الدخول على هذا المشهد كي يفوّت على الإدارة الأميركية إمكانية الاستمرار في هذه اللعبة، بمنعها من استعمال الإرهاب بادعائها أنّها تحاربه، وهو الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية للذهاب مباشرة للحديث عن تنسيق «أميركي روسي» على المستوى العسكري في مواجهة «داعش»، وهي محاولة جديدة من قبل الأميركي للالتفاف على الأهداف الرئيسية التي يسعى لها الروسي، لهذا كانت الموافقة الروسية على هذا «التنسيق»، كما أنّ سعيّاً «إسرائيليّاً» كان بهذا المعنى لأنّ «الإسرائيلي» أدرك جيّداً أنّ الروسي جاد في هذه الخطوة، وهو بالتالي ذاهب إلى إسقاط إمكانية أن يستمر «الإسرائيلي» في المساهمة والاستثمار إيجاباً أيضاً في دعمه للإرهاب على الدولة السورية.

إذن، إنّنا نعتقد أنّ هذه هي الأسباب الرئيسية وراء الدخول العسكري الروسي على مشهد المواجهة الحاصلة في المنطقة، وأنّه لم يكن أبداً نتيجة وهن أصاب القوات المسلحة السورية، أو أنّه دخول سيحول دون سقوط الدولة ومؤسساتها، باعتبار أنّنا نرى أن القوات المسلحة السورية كانت وما زالت قادرة على الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، وأنّها أدارت معركتها ببسالة هائلة، وسجلت انتصاراتها الخارقة في وجه أعتى عدوان مباشر يقع على دولة عبر التاريخ.