هل تتجه الساحة السياسية إلى مرحلة من الانفراجات، أم أننا سنكون أمام إنفجار يُطيح بالحكومة ويضع جميع الاستحقاقات الكبيرة والصغيرة في الثلاجة إلى حين أن تحمل إلينا الرياح الإقليمية والدولية بشائر تسوية كبرى لأزمات المنطقة من الممكن أن يستفيد منها لبنان في إعادة ترميم وضعه الذي بدأ وباعتراف رئيس الحكومة يقترب من الهاوية؟

ما أُطلق من مواقف في أعقاب ما سُرّب من معلومات عن تسوية سياسية باتت قاب قوسين أو أدنى من النضوج تشمل سلّة من الملفات الخلافية، لا يشي بأننا نتجه إلى أي نوع من الإنفراج، لا بل إلى ما قيل يُؤكّد بأن الوضع المأزوم باقٍ على حاله، وبالتالي فإن جلسات مجلس الوزراء، وربما جلسات طاولة الحوار باتت على المحك وأن المفردات التي ضمّنها العماد ميشال عون تصريحه بعد انتهاء اجتماع تكتل «التغيير والإصلاح» أوحت وكأن جنرال الرابية يتجه إلى مقاطعة الحوار الذي لا يرى فيه أي جدوى ما لم تتحقق مطالبه، وبالتالي فإن الحكومة في هكذا مناخات لن تتمكن من الانعقاد وستتعطل تلقائياً لتدخل مجدداً في نوع جديد من التأزم السياسي الذي في ما يبدو سيزداد تعقيداً مع قابل الأيام في ظل الأفق الداخلي المقفل تجاه أي حلول، بالإضافة إلى الإنشغال الإقليمي والدولي بالسباق المحموم بين التسويات السياسية لأزمات المنطقة واستمرار الحريق المندلع من اليمن إلى سوريا فالعراق، أضف إلى ذلك الحرب الباردة المندلعة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والتي لم تستطع إجتماعات نيويورك بين الرئيسين الأميركي والروسي التخفيف من حدتها، لا بل أن المواقف التي أعقبتها أظهرت بأن الهوّة الموجودة بين الدولتين على خلفية أزمات الشرق الأوسط من الصعب ردمها في وقت قريب، وبالتالي فإن المخاض العسير الذي تعيشه المنطقة سيستمر لفترة ليست بقصيرة وبالتأكيد ستكون له ارتدادات سلبية على الواقع اللبناني الذي يعيش حالة من اللااستقرار واللاتوازن السياسي.

وإذا كانت الساعات الماضية قد حملت نوعاً من التفاؤل بإمكانية الوصول إلى تسوية تحقق نوعاً من الهدنة فإن ذلك سرعان ما تلاشى حيث أظهرت الوقائع السياسية بأن كل ما قيل في هذا الخصوص كان أشبه بالسراب، وأن كل من اعتقد بأن الحل للمشاكل الموجودة بات في قبضة اليد سرعان ما اكتشف بأنه كان واهماً وأن الأمور ما تزال على حالها.

وفي تقدير أوساط سياسية متابعة أن مروحة اللقاءات والاتصالات التي قام بها الوزير وائل أبو فاعور بناء على طلب من النائب وليد جنبلاط إن مع الرئيس ميشال سليمان أو حزب الكتائب أو قيادة الجيش لم تُحدث أي خرق جدّي في جدار الأزمة لا سيما في ما يتعلق ب​الترقيات العسكرية​ وأبلغ دليل على ذلك ما أعلنه الجنرال عون الذي عاد وربط مسألة تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي بتعيين قائد جديد للجيش وهو بذلك قد أعاد الأمور إلى المربع الأوّل لا بل انه زاد الطين بلة وقطع الطريق امام أي محاولة جديدة لإنقاذ الوضع والحد من المزيد من التدهور الحاصل على كافة الصعد.

وحذرت هذه الأوساط من أي تسوية سياسية على حساب المؤسسة العسكرية، لأن أي خضة أو أي تململ داخل هذه المؤسسة وفي صفوف ضباطها سيكون له آثار سلبية على مجمل الوضع، خصوصاً وأن القيادة العسكرية ترفض مثل هكذا تسويات من الممكن ان ترتب تداعيات سلبية على المؤسسة التي يجب عدم زجها في المحاصصات السياسية أو غيرها.

وترفض هذه الأوساط المقارنة بين التسوية السياسية التي مددت لقائد الجيش ومسألة الترقيات التي تتعلق ببعض العمداء، وهي ترى ان الظروف المحيطة بين الحدثين مختلفة، فمركز قائد الجيش يخضع للظروف السياسية بينما مسألة الترقيات هي من اختصاص المؤسسة العسكرية التي يعود لها وحدها ان تقرر، فإذا كانت مع هذا الأمر فليكن وإذا رفضت فيجب الانصياع السياسي لهذه الرغبة، حيث ان هذه الترقيات يجب ان تحصل في إطار المعايير العسكرية وليس وفق معايير القوى السياسية.

واستبعدت هذه الأوساط ان يلتئم مجلس الوزراء الجمعة المقبل في حال لم يطرأ اي جديد يبدد المناخات الموجودة حالياً، لأن انعقاد مجلس الوزراء في ظل بقاء أزمة النفايات والترقيات من دون حلول لا جدوى منه لا بل على العكس من الممكن ان يزيد الأوضاع تعقيداً، ولذا من المرجح ان لا يوجه الرئيس سلام الذي سيكون في بيروت يوم غدٍ الخميس الدعوة لانعقاد المجلس كما كان قد أعلن خلال وجوده في نيويورك، وهذا يعني ان جلسات الحكومة ستعلق إلى حين تأمين الظروف الملائمة لانعقادها.

وإذا كان الاهتمام السياسي منصباً على تسوية الترقيات فإن الرئيس نبيه برّي يرى ان معالجة أزمة النفايات التي أصبحت قضية وطن أكثر أولوية من الترقيات، مشدداً على ان وصول الحكومة إلى مرحلة تصريف الأعمال يبقى أفضل من الوضع القائم.