تصاعد الحديث في الايام الاخيرة عن تقرير فاتيكاني وضع حول الوضع في لبنان. بدا الامر بمثابة المفاجأة للبعض، وكأن الكرسي الرسولي دخل فجأة على خط الوضع اللبناني، وأن هناك مسعى للاسراع في انهاء الشغور الرئاسي في لبنان. فما قصة التقرير؟ وما حقيقة ما يحدث؟ وهل من دور مستجد؟

للاجابة عن هذه الاسئلة والتساؤلات لا بد من العودة الى منتصف العام، الى حزيران 2015 تحديداً. اوائل الصيف، حلّ الموفد البابوي الكاردينال دومينيك مومبرتي ضيفاً على لبنان. السبب المعلن للزيارة كان تلبية لدعوة راعي ابرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر في مناسبة اليوبيل الخمسين لسيامته الكهنوتية. ولكن وزير خارجية حاضرة الفاتيكان السابق عقد لقاءات سياسية وروحية عدة، شملت مروحة واسعة من المسؤولين والفاعلين على الساحة اللبنانية. استمع ودوّن أكثر مما تحدّث. ليخرج بتقرير عن الحالة اللبنانية لنم يخل من القلق، لاسيما أن التطورات في منطقة الشرق الأوسط لا تحمل ما يطمئن الى أن حال المسيحيين في المنطقة يسير في الاتجاه الايجابي.

خلال جلسة مع بطاركة واساقفة الكنيسة الكاثوليكية، نقل الموفد البابوي مخاوف فرنسيس وهواجسه. كان الشغور الرئاسي بلغ عامه الأول، فسمع قادة الكنيسة في لبنان ما يلي "نعبر عن قلقنا تجاه مدة الجمود المؤسساتي، الذي منذ عام تشل العمل الطبيعي للمؤسسات الرسمية والسياسية اللبنانية. لذلك، بعد سنة من الوضع الصعب الذي تمر فيه البلاد، نعتقد أنه حان الوقت لكي بواسطة الحوار والبحث عن حلول مشتركة، تعود المؤسسات إلى عملها الطبيعي من خلال انتخاب رئيس للجمهورية".

جاء الموفد الفاتيكاني الى لبنان ناقلا هذه الرسالة إلى جميع من التقاهم. وعند عودته الى روما، وعلى جري العادة في مثل هذه الأحوال، وضع تقريراً مفصّلا حول نتائج زيارته، يتضمن تفاصيل لقاءاته، والخلاصة التي خرج بها. وبحسب المعطيات، لم يكن الموفد البابوي متفائلاً، لا بامكان حدوث خرق قريب، ولا بقدرة المرجعيات السياسية والروحية المسيحية بكسر هذه الحلقة في الامد المنظور. يقول العارفون إن جانباً من التقرير حمل تثميناً ايجابياً لخطوة التلاقي المسيحي-المسيحي، في اشارة الى "اعلان النيات" بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية انطلاقاً من ان الوجود المسيحي القوي ضمانة للوجود اللبناني القوي، والتضامن والوحدة التي تتيح الإستمرار لكي يكون لبنان نموذجا لبلاد المنطقة".

خلال زيارته لروما، تشير المعلومات الى أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التقى امين سر العلاقات الخارجية في الكرسي الرسولي المونسنيور بول غالاغير للحديث بالرئاسة. ووفق المعلومات، فإن البطريرك كرر امام غالاغير ما يقوله عن الوضع الرئاسي، لافتاً الى ان هناك مرشحين رسميين هنا ميشال عون وسمير جعجع. الثاني مستعد للتنازل لمرشح توافقي، اما عون فمصر على ترشيحه اذ يراى ان الوقت حان لرئيس قوي واي تصحيح للخلل لا يمكن ان يتم بتكرار التجارب التي عشناها في السنوات الماضية ما بعد الطائف، بل برئيس من الشعب او بانتخابات نيابية على اساس قانون انتخاب يحقق المناصفة".

هل من شيء تغيّر اليوم؟ تشير المعطيات الى أن لا جديد يذكر على صعيد الحراك الفاتيكاني. فالمسألة لا تزال على حالها لجهة الحرص على الواقع اللبناني وضرورة دفع الامور، بالحوار والتواصل، للخروج من المأزق المؤسساتي. يشجّع الفاتيكان اللبنانيين على التفاهم الداخلي، وهو لا يضع نفسه في خانة من يقرر عنهم، بل من ينصح على اسلير بالحلول اللبنانية-اللبنانية، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه قد لا يحمل نتائج ايجابية، لا على الواقع اللبناني عموماً، ولا المسيحي خصوصاً".

بالنسبة الى الكرسي الرسولي، يشكّل الوجود المسيحي في لبنان ركيزة للوجود المسيحي في المنطقة. واليوم، كثيرون ينظرون الى الوضع اللبناني وتحديدا الجماعات المسيحية في المنطقة، "فمسيحيو لبنان بالنسبة اليهم يمثلون مرجعا مهما، وهم ينتظرون أن يبقى هذا البلد مثالا عن العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، هذا العيش الذي ميز لبنان دائما". وبالتالي، فأي خلل على هذا الصعيد، سينعكس سلباً على الجميع في منطقة الشرق الاوسط التي تتقاذفها الحروب ويفتت اوصالها الدمار والدماء التي تسيل بين الاخوة.

بناء على ما تقدّم، يبدو كل ما يقال في سياق توصيف الداء لا فرض الدواء. اما لماذا تسريب المعطيات اليوم؟ تشير معلومات "البلد" الى أن الكثير مما يقال لا يخلو من التضخيم والاستغلال، لاسيما ان البعض يريد الانطلاق من "التقرير الفاتيكاني" لتحويله الى بالون كبير للاحراج وحرق الاوراق والضغط في اتجاه فرض اوراق جديدة. ولكن ما يقوم به الفاتيكان شيء، وما يسوّق له البعض شيء آخر.