في مُقابلته التلفزيونيّة الأخيرة، أعلن رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أنّ "لا عودة إلى الحكومة قبل تعيين قائد جيش ومجلس عسكري جديد..."، فهل سيتمكّن "الجنرال" من فرض قيادة جديدة للجيش اللبناني قريباً، أمّ أنّها مُجرّد معركة أخرى من المعارك الكثيرة التي إعتاد خوضها على إمتداد كامل تاريخه العسكري والسياسي، بغضّ النظر عن نتائجها؟

بداية، لا بُدّ من التذكير بأنّ وُصول الأمور إلى هذه المرحلة من التشنّج على مستوى ​التعيينات الأمنية​ كان قد بدأ مع التمديد لقائد الجيش الحالي العماد ​جان قهوجي​ مرّتين(1). وإكتملت الضربات السياسيّة المُوجّهة للعماد عون لجهة رفض تلبية مطلبه بالنسبة إلى قيادة الجيش، مع إحالة مُرشّحه الأساسي لتولّي المنصب العميد الركن ​شامل روكز​ إلى التقاعد مع صفة قائد سابق لفوج المغاوير. وقد تمّ إفشال ما إصطلح على تسميته "تسوية روكز" نتيجة عوامل عدّة، أبرزها:

أوّلاً: سوء علاقة العماد عون وفريقه السياسي مع الرئيس السابق ​ميشال سليمان​، الأمر الذي دفع هذا الأخير إلى التشدّد أكثر عبر الوزراء الثلاثة المحسوبين عليه في الحكومة الحالية، خاصة عبر وزير الدفاع سمير مُقبل الذي له الكلمة الفصل في هذا الملفّ من الناحية القانونيّة.

ثانياً: سوء علاقة العماد عون مع القيادة الحالية للجيش، الأمر الذي دفع بالعماد قهوجي إلى التشدّد أكثر في موقفه المُعارض للتسوية، من باب رفض تناول الطبقة السياسيّة للشؤون العسكرية بهذا الشكل، ومن باب مُعارضة تجاوز التراتبيّة العسكريّة وخرق البروتوكولات المُعتمدة منذ تأسيس الجيش اللبناني.

ثالثاً: خطأ إستبعاد مُمثّل حزب "الكتائب اللبنانيّة" عن الإجتماع السُداسي الذي عُقد على هامش جلسات طاولة الحوار، الأمر الذي دفع بالنائب سامي الجميّل إلى الردّ على هذا التهميش السياسي، بالتشدّد عبر وزراء "الكتائب" الثلاثة في الحكومة، بحجّة رفض تجاوز المعايير القانونيّة والدستوريّة المعهودة.

رابعاً: قيام جهات من قوى "14 آذار" ترفض منح العماد عون جوائز مجّانية، من دون الحصول في المُقابل على أيّ مكاسب، بتطبيق مبدأ توزيع الأدوار، بحيث لجأ بعض المُعارضين لبقاء العميد روكز المُتقاعد في الخدمة العسكريّة، إلى إبداء عدم معارضتهم له في العلن، لعلمهم المُسبق أنّ "التسوية" الخاصة بوضعه لن تمرّ. وأسفرت هذه المُناورة عن وقوع "التيّار الوطني الحُرّ" في فخّ المُماطلة وتضييع الوقت، وُصولاً إلى الحائط المسدود.

خامساً: وُجود "فيتو" إقليمي على الأسماء المَطروحة من قبل "الجنرال"، الأمر الذي ساهم في تعزيز موقف القوى الرافضة لإيجاد تسوية تحفظ "ماء وجه" العماد عون.

سادساً: عدم مُؤازرة قوى "8 آذار" بشكل جدّي لمطلب العماد عون الخاص بالقائد السابق لفوج المغاوير، والإكتفاء بالإعلان عن بعض الدعم الإعلامي له، وبتقديم بعض التسهيلات لجهود الوساطة التي أجريت، والتي شارك في جزء منها النائب وليد جنبلاط، مع التذكير أنّ قوى "8 آذار" كانت قد أمّنت في الماضي القريب التغطية اللازمة للتمديد للعماد قهوجي، بحجّة تجنّب الوقوع في الفراع على المستوى الأمني في البلاد.

وبعد أن حصل ما حصل، وبات لبنان أمام واقع ضاغط جديد، في ظلّ إصرار العماد عون على عدم التنازل هذه المرّة، فإنّ فُرص التصعيد السياسي تبدو أعلى من فرص حصول تسوية قريبة على مستوى قيادة الجيش اللبناني. فالمُعطيات الحاليّة لا تُوحي بأنّ "الجنرال" في موقع فرض قيادة جديدة للجيش، بسبب كل الإعتبارات المذكورة أعلاه، والتي يُضاف إليها الصراع الخفي بين العماد عون والعماد قهوجي. فالأوّل يرغب بإبعاد الثاني عن قيادة الجيش بأسرع وقت ممكن، ليس لتنصيب قائد جديد مُقرّب منه فحسب، بل لإسقاط فرص العماد قهوجي بالوصول إلى منصب الرئاسة. ويحرص هذا الأخير في المُقابل على البقاء لأطول فترة ممكنة كقائد للجيش، مع التذكير بأنّ تأجيل تسريحه الحالي ينتهي في 30 أيلول من العام 2016 المُقبل، وذلك لعلمه المُسبق بأنّ التسويات المُحتملة في المنطقة قد تستوجب وُصول شخصيّة عسكريّة إلى منصب الرئاسة تحت عناوين ضبط الأمن والحفاظ على الإستقرار. وللتذكير فإنّ مُعادلة "روكز لقيادة الجيش في مُقابل عُثمان لقيادة قوى الأمن الداخلي"(2)كانت قد سقطت في الأشهر الماضية، ما يجعل إمكان وصول شخصيّة مُقرّبة من العماد عون إلى قيادة الجيش من دون مُكتسبات للفريق الخصم، مُستبعداً جداً. ويبقى إحتمال التوصّل إلى تسوية مُتزامنة على موقعي القيادة في الجيش وقوى الأمن، على ألا تكون الشخصيّات المُرشّحة محسوبة على أحد، وهذا بدوره خيار مُستبعد أيضاً، باعتبار أنّ أحداً من الجهات السياسيّة ليس في عجلة من أمره لخسارة مواقع أمنيّة حسّاسة لصالح شخصيّات وسطيّة قد تميل إلى هذا الطرف أو ذاك في مرحلة لاحقة.

وفي الخلاصة، من المُستبعد جداً أن يتمكّن العماد عون من فرض قيادة جديدة للجيش اللبناني في المُستقبل القريب، في ظلّ المُعطيات الحالية. والمخرج الوحيد للوضع المُقفل قد يكون بتسوية كاملة تشمل قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي ومجلسي الوزراء والنوّاب وربّما أوسع من ذلك أيضاً، لكنّ ظروف هكذا تسوية غير ناضجة بعد، لا سيّما وأنّ أطرافاً داخليّة عدّة تُراهن على تغييرات إقليميّة لقلب التوازنات المحلّية. وفي الإنتظار، من المُتوقّع أن يتمدّد وضع الشلل السياسي في لبنان أكثر فأكثر، حيث يُنتظر أن نشهد موجات من التصعيد السياسي المُتبادل في الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة، في إنتظار وضع إقليمي ودولي مختلف.

(1)التمديد الأول لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي لسنتين كان إعتباراً من آب 2013 على يد وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السابقة فايز غصن المحسوب على "تيّار المردة"، والثاني لسنة واحدة إعتباراً من أيلول الماضي على يد وزير الدفاع سمير مُقبل المحسوب على رئيس الجممهورية السابق ميشال سليمان.

(2)بعد سُقوط مقولة "العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية والنائب سعد الحريري لرئاسة الحكومة"، جرى الحديث عن مُعادلة ثانية كانت تقضي بوصول قائد فوج المغاوير (قبل تقاعده) العميد الركن شامل روكز إلى منصب قائد الجيش، في مُقابل وصول رئيس فرع المعلومات العقيد عماد عثمان إلى منصب مدير عام قوى الأمن الداخلي.