حقّق كلّ من "التيار الوطني الحُرّ" وحزب "القوّات اللبنانيّة" خطوة إيجابيّة إضافيّة بينهما، بتوقيع كلّ من النوّاب إبراهيم كنعان وآلان عون عن "التيّار" و​إيلي كيروز​ عن "القوّات"، على إقتراح قانون مُعجّل مُكرّر يرمي إلى إستعادة جنسيّة المُتحدّرين من أصل لبناني، على أمل أن يُشكّل الضغط المسيحي المُشترك باباً لإدراج القانون المذكور على أوّل جلسة تشريعيّة، ومدخلاً لإقراره في المجلس النيابي. وتُعتبر هذه الخطوة التطوّر الإيجابي الأبرز بين الطرفين منذ توقيع "إعلان النوايا" مطلع حزيران الماضي. لكنّ تهدئة الأجواء المسيحيّة الداخليّة، ووقف التراشق الإعلامي والإتهامات السياسيّة، وإسقاط الدعاوى القضائيّة المُتبادلة-على أهمّيته، يبقى خطوة على طريق الألف ميل بين القوتين الحزبيّتين الأكثر شعبيّة مسيحياً، بسبب إستمرار الخلافات الإستراتيجيّة الخطيرة على غير صعيد. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: بالنسبة إلى التموضع الداخلي، يُشكّل "التيار الوطني الحُرّ" أبرز مكوّنات التحالف العريض الذي يتقدّمه "حزب الله" ضمن قوى "8 آذار"، ويعتبر "التيّار" أنّ التحالف مع "الحزب" عبر "وثيقة التفاهم"(1)أمّن الإستقرار الداخلي ومنع إصطدام اللبنانيّين على أسس طائفيّة بعد إنسحاب جيش الإحتلال السوري في 26 نيسان 2005. ويُصرّ "التيّار" على أنّ تحالفه مع "الحزب" هو خيار إستراتيجي إلى جانب ما وصفه في أحد الأيّام بفريق الرابحين. من جهة أخرى، تعتبر "القوات اللبنانيّة" أنّ المسيحيّين إنتظروا طويلاً ليلاقيهم المُسلمون بصيغة "لبنان أوّلاً"، ومن واجب المسيحيّين الوقوف إلى جانب كلّ جهة سياسيّة ترفع هذا الشعار، الأمر الذي جعلها تتحالف سياسياً مع "تيّار المُستقبل" منذ العام 2005. وهي تُصرّ على أنّ القوى المُنضوية ضمن تحالف "14 آذار" العريض هي الخيار الذي سيربح في نهاية المطاف كونه يُؤمِن بخيار الدولة والشرعيّة.

ثانياً: بالنسبة إلى التموضع الخارجي، تعتبر "القوات اللبنانيّة" أنّه في ظلّ الإنفتاح على الدول العربيّة من الطبيعي أن تكون علاقتها جيّدة معها ومع دول الخليج بطبيعة الحال، وتحديداً مع المملكة العربيّة السعودية، خاصة وأنّ هذه الأخيرة تدعم قوى "14 آذار" عموماً، وتعتبر "القوات" أنّ حماية المسيحيّين في لبنان والعالم العربي تمرّ في تبنّيهم كل القضايا التي تهمّ شركاءهم المُسلمين. في المُقابل، يعتبر "التيّار الوطني الحُرّ" أنّ تموضعه الإختياري مع "محور المُقاومة" أسفر تلقائياً عن تراجع علاقاته مع بعض الدول العربيّة ومع السعودية تحديداً، لكنّه لا يرى مُشكلة في ذلك، حيث يعتقد أنّ مصلحة المسيحيّين في لبنان تكمن في الحفاظ على علاقاتهم مع الجار الأقرب، أي مع النظام في سوريا، وأنّ مصلحة المسيحيّين في الشرق تقضي بمُناهضة كل القوى الإسلاميّة المُتشدّدة، وبالتحالف مع الأقليّات المذهبيّة ومنها إيران في المنطقة.

ثالثاً: بالنسبة إلى النظرة إلى سلاح "حزب الله" يعتبر "التيار الوطني الحُرّ" أنّه ضروري لمواجهة أيّ عدوان إسرائيلي في إنتظار أن يتمكّن الجيش اللبناني من لعب هذا الدور مُستقبلاً بعد تسليحه، بينما تعتبر "القوات اللبنانيّة" أنّ بقاء سلاح "حزب الله" يُضعف قدرات السلطات الرسميّة والأمنيّة الشرعيّة، ويُشكّل "دُويلة" داخل الدولة، ويفتح المجال أمام فوضى السلاح على إمتداد مساحة الوطن، ويحول دون تطبيق الديمقراطية الفعليّة وحرّية التعبير، خوفاً من سلاح "الحزب". وفي الوقت الذي يتغاضى "التيّار" كلّياً عن هذا السلاح إنسجاماً مع تحالفه الإستراتيجي مع "حزب الله"، لا توفّر "القوات" أيّ مناسبة دون إنتقاد هذا السلاح المُوازي للسلاح الشرعي بحوزة الجيش، ولا تغيير في الأفق بالنسبة إلى مواقف الطرفين من هذا الموضوع بحكم تموضعهما السياسي المحلّي والإقيمي.

رابعاً: بالنسبة إلى النظرة للنظام السوري، يعتبر "التيّار الوطني الحُر" أنّ الماضي مع حزب البعث الحاكم في سوريا قد إنتهى بمجرّد إنسحاب سوريا من لبنان في العام 2005، ويرى أنّ خطر الإسلاميّين التكفيريّين على المسيحيّين في سوريا، ولاحقاً في لبنان، يدفع إلى الوقوف، ولو من الناحية المبدئيّة، إلى جانب النظام السوري الذي يلعب حالياً بشكل غير مُباشر دور خط الدفاع الأوّل عن وُجود المسيحيّين في لبنان. في المُقابل، تعتبر "القوات اللبنانيّة" أنّ الموقف من حُكم "آل الأسد" في سوريا لم ينته بالإنسحاب السوري في العام 2005، حيث أنّ التدخّلات السورية في السياسة اللبنانيّة مُستمرّة، والإرتكابات بحقّ اللبنانيّين مُستمرّة أيضاً، وذلك عبر الأحزاب والقوى الحليفة لدمشق، ما يستوجب البقاء في موقع الخُصومة إلى حين سُقوط هذا النظام. وبالنسبة إلى الخطر على المسيحيّين، تعتبر "القوات" أنّ لا خطر عليهم في لبنان لأنّ الجيش اللبناني قادر على حمايتهم، وفي حال عجزه لأيّ سبب كان، لا شيء يحول دون أن يعيد التاريخ نفسه وأن يحمل المسيحيّون السلاح مُجدّداً للدفاع عن أنفسهم. وفي ما خصّ مسيحيّي سوريا، كما باقي المسيحيّين في العالم العربي، تعتبر "القوات" أنّ ما أصابهم أصاب أيضاً جماعات إسلامية وأقليّات أخرى مختلفة، وترى أنّ حمايتهم لا تكون بالوقوف إلى جانب الدكتاتوريّات القائمة بل عبر التموضع إلى جانب الثورات الشعبيّة.

وممّا تقدّم، يمكن القول إنّ العلاقات بين المسيحيّين في لبنان هي اليوم أفضل من السابق، لكنّ الهُوّة الإستراتيجيّة بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة" لا تزال سحيقة، الأمر الذي يستوجب بذل الكثير من الجُهود للإلتقاء مُستقبلاً على أكثر من مُجرّد نوايا ومبادئ عامة، وعلى أكثر من مطلب إعادة الجنسيّة اللبنانيّة إلى أشخاص ربّما سيُسارعون إلى رميها بوجه من يعرضها عليهم لأنّهم نسوا لبنان ومشاكله وإنقساماته... منذ زمن بعيد!

(1)وقّع العماد ميشال عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في الشيّاح في 6 شباط 2006، "وثيقة تفاهم" تحوّلت مع الوقت إلى تحالف سياسي متين بين الطرفين.