شهيدان جديدان إنضمّا إلى قافلة شهداء ​الجيش اللبناني​ الطويلة، وهما الرقيب أوّل ​مارون خوري​ والجندي ميشال الرحباوي (نجل زكي الرحباوي الذي كان إستشهد في معارك نهر البارد)، وهما سقطا بسلاح مطلوبين من القضاء بما مجموعه أحد عشر بلاغ بحث وتحرّ وكذلك بست مُذكّرات توقيف، وذلك لإرتكابهم جرائم مختلفة في أوقات سابقة. والمُفارقة المُبكية من دون أن تكون مُضحكة على الإطلاق، أنّ المَطلوبَين من القضاء اللبناني أحمد عمار ومهدي زعيتر، لم يصطدما ومن كان برفقتهما من مُسلّحين، بدورية لجهاز إستخبارات الجيش في قرية نائية أو في واد سحيق كانا يختبئان فيه، بل حصلت المعركة المُسلّحة في ملهى ليلي في قلب جونية حيث كان المطلوبان ومن برفقتهم من شبّان وشابات يحتفلون بمناسبة إجتماعيّة ويستعدّون لقطع قالب حلوى! وهذا الأمر يدلّ على مدى إستخفاف زعران المُخدّرات الذين يتجوّلون بأسلحتهم غير الشرعيّة في مختلف مناطق لبنان، بالقضاء وبهيبة الدولة وبالقوى الأمنيّة، وإلا لما تجرّأوا على التواجد بأسلحتهم في مكان علني وفي إحتفال علني، بعيداً عن أيّ بيئة حاضنة.

وفي الوقت الذي كانت دموع القهر والحسرة تنهمر غزيرة في بلدتي "بقرزلا" و"الشيخ محمد" في عكّار، جرى رفع صور لكل من المطلوبين القتيلين عمار وزعيتر مكتوب عليها "شهيد الغدر" وذلك في بلدتيهما إضافة إلى بعض مواقع التواصل الإجتماعي! إشارة إلى أنّ المطلوب المقتول زعيتر المُلقّب بإسم "جعفر" هو نجل حسن زعيتر الملقّب بدوره بإسم "القائد"، والأخير كان مسجوناً في السابق بتهمة تجارة المخدرات، وقد أطلق منذ سنوات ليعود إلى مزاولة نفس التجارة غير الشرعيّة، وليصبح مطلوباً من القضاء من جديد بصفته أحد كبار تجّار المخدرات والسلاح في منطقة الزعيترية في الفنار.

ومن الضروري التذكير أنّ هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، حيث وقعت أكثر من مواجهة في الأشهر والسنوات القليلة الماضية بين دوريّات لقوى أمنيّة رسميّة ومجموعات مُسلّحة من تُجّار المخدّرات في أكثر من مكان في لبنان، أوقعت شهداء وجرحى في صفوف القوى الأمنيّة. والمُشكلة ليست هنا، حيث أنّ مثل هذه الأمور تحصل في مختلف دول العالم، لكن في لبنان يعمد عدد كبير من زعران المُخدّرات، وفي طليعتهم المطلوب من القضاء "​نوح زعيتر​" الملقّب بإسم "روبن هود"(1)، ومنهم كلّ من القتيلين أحمد عمار ومهدي زعيتر، إلى الإحتماء براية "حزب الله" فيُوزّعون صوراً لهم بالألبسة العسكرية التي تحمل شعارات "الحزب" تارة أو ينخرطون في مجموعات قتالية شعبيّة داعمة للحزب بحجّة "مُحاربة التكفيريّين". وهذا الأسلوب يعتمده بشكل خاص عدد من أبناء عشائر البقاع المطلوبين من القضاء اللبناني بتهم مختلفة، تبدأ بمذكرات مرتبطة بسرقة السيارات، وتمرّ بمذكّرات مُرتبطة بالمُتاجرة بالسلاح وبالمخدّرات، وتصل إلى مُذكّرات مُرتبطة بالتورّط بعمليّات خطف في مقابل فدية وحتى بجرائم قتل. ومن خلال هذا الأسلوب المُلتوي الذي يعتمده هؤلاء، تُصبح أيّ مداهمة أمنيّة لإعتقال أحد هؤلاء الزعران والمُجرمين، عمليّة تمسّ "أمن المقاومة" وتستهدف "البيئة الحاضنة" لها!

وإذا كان صحيحاً أنّ "حزب الله" يرفع الغطاء بشكل دائم إعلامياً عن أيّ مُخلّ بالأمن أو متورّط ضمن بيئته، فإنّ الأصحّ أنّ خطّة البقاع الأمنيّة فشلت فشلاً ذريعاً، بحيث توارى المطلوبون ليومين أو ثلاثة قبل أن يعود القديم إلى قدمه وكأنّ شيئاً لم يكن، ولم تلق الوحدات العسكريّة التي شاركت بالمداهمات أيّ مساعدة ميدانية إستخباريّة أو عملانيّة مُهمّة لإنجاح مُهمّتها.

وبالتالي المطلوب من "حزب الله" أن يمنع هؤلاء الزعران والمُرتكبين والمُجرمين من الإحتماء برايته فعلياً وليس كلامياً عبر رمي المهمّة على أجهزة الدولة. فالحزب الذي لا يكاد يخلو خطاب لأحد مسؤوليه من المواعظ الدينيّة والأخلاقيّة، مُطالب بعدم السماح أن يرفع رجال العصابات والقتلة وزعران المُخدّرات شعاراته وأعلامه وأن يحملوا السلاح بحجّة أنّهم ينتمون إلى "المقاومة"، وعليه ملاحقتهم ومحاسبتهم على ذلك، وليس الإكتفاء بمطالبة الدولة بذلك من دون بذل أيّ جهد جدّي لمساعدتها. فالحزب الذي يراقب بيئته الحاضنة إستخبارياً قادر بكل سهولة على سحب هؤلاء المطلوبين من أسرّتهم وتسليمهم إلى القضاء إن أراد ذلك، إلا إذا كان لا يُريد هذا الأمر كما يقول خُصومه الذين يذهبون بعيداً في إتهام الحزب بغضّ النظر عَمداً عن هؤلاء المطلوبين لأنّهم يُشكّلون عصب شعبيّته!

في الخلاصة، من غير المَقبول أنّ يسقط المزيد من الشهداء من الجيش اللبناني أو من أي جهاز أمني رسمي آخر، على يد هذه العصابات التي شوّهت سمعة عشائر لبنان البقاعيّة، والتي جعلت أيضاً سمعة "حزب الله" على المحكّ. فهل تتحرّك أجهزة الدولة اللبنانية لتوجيه ضربة مُوجعة لعصابات السرقة والمخدرات والخطف والقتل في مهدها، بمساعدة ميدانية فعليّة وجدّية من "حزب الله" هذه المرّة، أمّ سنبقى نُحصي الشهيد تلو الشهيد، ونتحسّر على جونية التي كانت عاصمة لبنان الآمنة في عزّ أيّام الحرب اللبنانية؟!

(1)يُعتبر نوح زعيتر من أكبر وأشهر تجّار المُخدرات في لبنان، علماً أنّه مطلوب بعشرات مذكرات البحث والتحرّي والتوقيف، وهو ملقّب بإسم "روبن هود" بحجّة أنه يسرق الأغنياء ليطعم الفقراء، علماً أنّ زعيتر يستعمل قسماً من مال الحرام الذي يجنيه لشراء نُفوس الفقراء في بيئته، لتوسيع دائرة الحماية الأمنيّة التي يُحيط نفسه بها، وهو إستغلّ منذ بضعة أشهر دعوة أمين عام "حزب الله" لجهوزيّة العشائر للقتال، فأعلن تأسيس كتيبة عسكريّة، ووزّع صوراً قال إنّها لمواقع قتالية للحزب في القلمون، الأمر الذي نفاه "حزب الله" وردّ عليه "نوح" بتوزيع المزيد من الصور!