لم تنجح الأزمات السياسية والاجتماعية المتفاقمة التي تقضّ مضاجع اللبنانيين هذه الأيام، في جعلهم يتجاهلون، أو ينسون بسرعة، وقائع فضيحة ضبط تهريب طنّين من مادة "الكبتاغون" المخدّرة، واعتقال المسؤول عنها بالجرم المشهود، وهو أمير سعودي، مع أربعة من مرافقيه.

ليست القضية أن المهرّب هو "أمير" وسعودي فقط، بل لها أبعاد عدّة، تتخطى الموقف من المملكة والعائلة الحاكمة فيها، بما يجعلها "قضية موسم" تفرض ذاتها على ما عداها من أحداث، خصوصاً أن إعلام قوى الرابع عشر من آذار، المؤيِّدة للمملكة، تجاهلها وكأنها لم تحدث، ولو أن قضية أقل منها بعشرات المرات وقعت في آخر أصقاع الكون مع شخص آخر، لكان هذا الإعلام جعلها شغله الشاغل.

أول عناصر هذه الفضيحة أن بطلها هو من أبناء العائلة المالكة في السعودية، وهو حفيد أحد أبناء عبد العزيز؛ المؤسِّس للحكم السعودي الحالي، وهذه الفضيحة تضاف إلى سلسلة لا تنتهي من فضائح يرتكبها أمراء آل سعود، التي طالما تصدّرت وسائل إعلام غربية وعربية، سرعان ما كان يجري لفلفتها عن طريق الرشاوى وممارسة النفوذ، وتشهد وقائع ما يسرّب عن حوادث الحدود بين السعودية وجيرانها، أن أمراء السعودية هم رؤوس شبكات تهريب المخدرات إلى المملكة، وقد تعوّد اللبنانيون على لفلفة الفضائح التي يرتكبها أبناء العائلة السعودية في لبنان، تحت حجة أن لبنان بلد فقير، وأن إغضاب المملكة يعني أنها ستطرد مئات آلاف اللبنانيين الذين يعملون، أو يملكون أعمالاً فيها.

ثاني الأبعاد التي تُبقي هذه القضية نصب أعين الإعلام، ومحط متابعة الناس عموماً، أن الكمية المصادَرة بلغت ألفي كيلوغرام من مادة "الكبتاغون" المخدّر، أي أكثر من اثني عشر مليون حبة، ويقول المتابعون إن سعر حبة "الكبتاغون" في المملكة يفوق أضعاف سعر حبة "الفياغرا" الأميركية الصُّنع.

ثالث الأبعاد، أن الاعترافات المسرَّبة للإعلام، تفيد أن مرافقي الأمير اعترفوا على مصدِّر البضاعة، وهو بلدة عرسال البقاعية، وعلى أسماء الذين سلّموهم البضاعة، وهم من أبناء البلدة، وقد قبضوا ثمنها 24 مليون دولار أميركي، كما قبضوا بدل نقلها إلى مطار بيروت أربعة ملايين دولار، وثبت أن المرافقين لا يملكون مثل هذه المبالغ التي لا قدرة على دفعها إلا "لسمو الأمير"، الذي سرّبت اعترافات أنه أشرف شخصياً على توضيب تلك الكمية الضخمة.

أما البُعد الرابع، وهو الأكثر خطورة وتأثيراً، فهو أن كميات المادة المخدّرة وُضِّبت في حوالى أربعين صندوقاً لُصق عليها الشعار الرسمي للمملكة، وجرى التصريح في المطار بأن محتويات الصناديق مشمولة بالصفة الرسمية للمملكة السعودية، وهذا الأمر إضافة إلى كونه فضيحة تدين المملكة، كسلطات وعائلة حاكمة، هو سبب يدفع المنظمات الدولية التي تكافح المخدرات إلى إدانة المملكة التي تسمح بوضع شعارها وعنوانها الرسمي على عشرات الطرود المعبأة بالمخدرات، علماً أن سلطات المملكة تقوم بإعدام كل من تضبط لديه غرامات عدة من هذه المواد التي ضُبطت مع الأمير، فأي حكم سيناله؟ وهل سيحاكَم في لبنان وينال جزاءه، أم ستتم صفقة ما يرحَّل بواسطتها إلى المملكة، لينال رعاية ذويه؟

يبقى البُعد الخامس لهذه القضية الكبرى، وهو: كيف اطمأن الأمير المهرّب لإمكانية نقل هذه الكمية الكبيرة من المخدرات عبر مطار بيروت؟ وهل هذه هي المرة الأولى، أم أنه كان واثقاً أن طريقه سالكة بفعل الغطاء الرسمي الدبلوماسي، بالتنسيق مع "تيار المستقبل" الذي يؤيد المملكة "عالعمياني"؟

هي فضيحة وإدانة للمملكة، جاءت في ظرف تكاثرت في وقت واحد "سقطات" حكام المملكة السعودية، بدءاً من انهيار الرافعة داخل الحرم المكي الشريف، إلى حريق الفندق في المنطقة ذاتها، إلى مجزرة "التدافع" في "مشعر منى"، إلى فشل القصف الجوي المدمر في جعل شعب اليمن يستسلم لإرادة المملكة، مضافاً إلى الفشل السعودي المتفاقم في العراق وسورية ولبنان وليبيا، وربما في مصر وتركيا، في ما يشكّل عوامل انهيار مملكة يقول بعض أبنائها إنها بدأت بـ"محمدين": محمد عبد الوهاب ومحمد آل سعود، وستنتهي بـ"محمدين": محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، خصوصاً أن أحداً في المملكة غير قادر على وقف اندفاعة "جيل الشباب" الحاكم بقطار المملكة نحو الهاوية السحيقة.