ما لم تنجح الإتصالات القائمة حالياً على غير صعيد، والتي بدأت تترافق مع ضُغوط عدّة من جهات مُختلفة، في إرجاء موعد الجلسة التشريعيّة، وبالتالي في تأمين المزيد من الوقت أمام المُحاولات الرامية إلى إيجاد مخارج تحفظ "ماء وجه" مختلف الأطراف المعنيّة بالأزمة الحاليّة، فإنّ الأحزاب المسيحيّة الثلاثة الكبرى المُقاطعة للجلسة(1)تتجه إلى تصعيد كبير في الساعات المُقبلة، ليس على المستوى السياسي والإعلامي فحسب، بل على المُستوى الميداني والشعبي أيضاً. والأسباب مُتعدّدة ومختلفة، وهي تُختصر بالشكل التالي:

أوّلاً: توافقت الأحزاب المسيحيّة الثلاثة على أنّ العودة إلى فترة تسيير شؤون الدولة اللبنانية من دون الوجود المسيحي الفاعل، كما كان يحصل أيّام الإحتلال السوري للبنان، عندما كان يُستعاض عن "العونيّين" و"القوّاتيّين" و"الكتائبيّين" ببعض الرموز المسيحيّة من الصفّين الثاني والثالث وحتى بشخصيّات لا تُمثّل سوى نفسها، قد ولّى إلى غير رجعة.

ثانياً: توافقت الأحزاب المسيحيّة الثلاثة على أنّ التساهل إزاء مسألة تجاهل المطلب المسيحي بإدراج قانون الإنتخابات في جدول أعمال الجلسة التشريعيّة، يعني السماح بتجاهل مطالب أخرى قد يرفعها المسيحيّون في المُستقبل، والسماح بإقرار مشاريع قوانين من دون الحُضور المسيحي وكأنّ شيئاً لم يكن، وهذا ما لا يُمكن القبول به، خاصة وأنّ مُجرّد قبول المسيحيّين(2)بجلسة نيابيّة تحت مُسمّى "​تشريع الضرورة​"، يُمثّل تنازلاً بحد عينه، كون الجلسة تتمّ في ظلّ الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية.

ثالثاً: بالنسبة إلى إصرار كل من "التيار الوطني الحُرّ" و"القوات اللبنانيّة" بالتحديد على إدراج قانون الإنتخابات فيعود إلى أنّ كلاهما وضع مسألة الإنتخابات النيابية في أعلى لائحة أولويّاته للمرحلة المُقبلة. والسبب أنّ "التيّار" يعتبر أنّ الخروج من حال المُراوحة السياسيّة الحالية في لبنان، لا يُمكن أن يتمّ إلا عبر إعادة تشكيل السلطة السياسيّة من جديد، وهذا الأمر لا يتم برأيه إلا عبر إقرار قانون إنتخابي جديد وحديث على قاعدة النسبيّة، علماً أنّ "التيّار" واثق من أنّ مُطلق أي قانون وفق النسبيّة سيرفع من عدد نوّاب الكتلة "العَونيّة" من دون دعم "الحلفاء"، الأمر الذي سيُمكّن العماد عون من التمتّع بهامش حركة سياسيّة أكبر.

وبالنسبة إلى "القوّات" فهي غير راضية إطلاقاً عن حجم كتلتها النيابيّة الحالية، وهي كانت إشترطت على "تيّار المُستقبل" أن يسمح بترشّح "قواتيّين" في مناطق تملك "القوّات" فيها حُضوراً شعبيّاً جيّداً، كما في عكّار والأشرفيّة وعاليه على سبيل المثال لا الحصر، لأنّ عدداً كبيراً من النوّاب المسيحيّين الذين ينتمون إلى كتلتي "المُستقبل" و"​جبهة النضال الوطني​"، يصلون بمساهمة كبيرة من الأصوات "القوّاتية". ونبّهت "القوات" إلى أنّه ما لم يتمّ إفساح المجال أمام مُرشّحيها من قِبَل قوى "14 آذار"، كما يتمّ إفساح المجال أمام مُرشّحي "التيار الوطني الحُرّ" من قبل قوى "8 آذار"، فهي لن تتردّد في دعم قانون إنتخابات وفق النسبيّة، لأنّها واثقة من أنّ هكذا قانون سيسمح بزيادة عدد نوّابها من دون منّةٍ من أحد.

رابعاً: يُريد "التيار الوطني الحُرّ" توجيه رسالة إعتراض إلى حليفه "حزب الله"، بأنّ الإستمرار في عدم دعم مطالبه، بدءاً بعدم مُساندته في مسألة رفض التمديد للمجلس النيابي مرّتين، مُروراً بعدم مُساندته برفض مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي مرّتين، وُصولاً إلى رفض مُساندته حالياً بمقاطعة الجلسة التشريعيّة، يُمثّل مُشاركة مُبطّنة بكسره. وفي السياق عينه، ترغب "القوات اللبنانيّة" في توجيه رسالة إعتراض حازمة إلى "تيّار المُستقبل" بأنّ الإستمرار في الإستخفاف بحجمها يُضعف كامل فريق "14 آذار"، وفي إيصال رسالة غير مُباشرة إلى النوّاب المسيحيّين المُستقلّين بأنّ حُضورهم النيابي يعود بجزء كبير إلى أصوات ناخبيها.

وفي الختام، يُمكن القول إنّ التشدّد "العَوني" و"القوّاتي" إزاء الجلسة التشريعيّة المُرتقبة، والذي تلاقى مع التشدّد "الكتائبي" ولو إنطلاقاً من إعتبارات مختلفة، سيتصاعد في حال عقد الجلسة، وبالتالي في حال كسر "الإرادة المسيحيّة" بأيدي "حلفاء" كل من "التيّار" و"القوّات" قبل أيّ طرف آخر. وعندها ستتعرّض التحالفات السياسيّة العموديّة لتصدّع كبير سيتطلّب الكثير من الوقت والجُهد لصيانته.

(1)"التيار الوطني الحُرّ" وحزب "القوّات اللبنانيّة" وحزب "الكتائب اللبنانيّة".

(2)باستثناء حزب "الكتائب اللبنانيّة" الذي يُصرّ على التمسّك حرفياً بالدستور الذي يُشدّد على أن المجلس النيابي يتحوّل إلى هيئة ناخبة إلى حين إنتخاب رئيس، ولا يحقّ له التشريع.