ترافق الانتصار الذي حققه الجيش السوري بقدرته على فكّ الحصار عن مطار كويرس في ريف حلب، مع تسريب ما سمي "ورقة روسية" للحل في سورية تتضمن نقاطاً سبعة، تشمل النقاط الخمس الأولى، الاتفاقَ على تحديد المجموعات الإرهابية، ومحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، ووقف التمويل وتطبيق قرارات مجلس الأمن المرتبطة، خصوصاً قرار مجلس الأمن رقم 2199؛ لجهة تجفيف منابع الإرهاب، ومنع شراء النفط من "داعش" وغيرها، أما النقطتان الأخيرتان فتتحدثان عن التسوية السلمية كما تراها موسكو، وهي الأهم في مسار فيينا لغاية الآن.

تتحدث التسوية السلمية - كما تسرّبت من "ورقة" موسكو - عن عملية إصلاح دستوري يمتد 18 شهراً، وعن آلية تشكيل لجنة دستورية تراعي كافة أطياف المجتمع السوري، بما في ذلك المعارضة الداخلية والخارجية، ويتم الاتفاق على مرشح لرئاستها مقبول من قبل جميع المشاركين. وارتباطاً بكل ما صرّحته موسكو في السابق حول محورية حق الشعب السوري في تقرير مصيره. وتشير الورقة الروسية إلى أنه يعود للشعب السوري قبول أو رفض الدستور، حيث يتم الانتقال بعد الاستفتاء الشعبي إلى تنظيم انتخابات رئاسية ونيابية مبكّرة على أساس الدستور الجديد. ويتضمن البند الأخير من الوثيقة تشكيل الحكومة السورية على أساس حزب/ كتلة انتخابية، على أن يسيطر على الحكومة من يحصل على أعلى نسبة أصوات، وسيكون الرئيس المنتخب شعبياً القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومسؤولاً عن السياسة الخارجية.

من البديهي أنّ تسريب "الورقة الروسية" سيدفع بعض الأصوات الموالية والمعارضة للنظام السوري إلى الانتقاد، وستكثر التحليلات والتأويلات، خصوصاً حول دور الرئيس السوري وصلاحياته، وحول حق الرئيس بشار الاسد بالترشح أو عدمه، لكن - بغض النظر عن كثرة التأويلات حول "الورقة" - يمكن لفت النظر إلى ما يلي:

1- أي مبادرة أو اتفاق أو تسوية يجب أن تلحظ في نهاية المطاف وجود قوى عدة على الأرض، وعلى طاولة المفاوضات، ويجب في نهاية المطاف إعطاء كل طرف إمكانية ادّعاء تحقيق انتصار ما، وإلا لن تحصل التسوية مطلقاً، وسيستمر القتال إلى ما لا نهاية.

2- تبايُن التصريحات الروسية والإيرانية حول الرؤية للحل في سورية، لا يبدو مُضراً بالدولة السورية، بالعكس؛ فإن التصلُّب الإيراني ورفع السقف يفيد المفاوض الروسي لتحقيق مكاسب أكبر للسوريين، في المقابل فإن المرونة الروسية تبدو ضرورية وأساسية للوصول إلى حل وإنهاء مأساة السوريين المستمرة منذ سنوات خمس.

3- إن مسارعة الإعلام العربي المعادي للنظام السوري للاحتفاء بهذه المبادرة وإعلان أنها تخلٍّ عن الأسد، انطلاقاً من عدم رئاسته للجنة الدستورية يبدو سخيفاً، فرئيس اللجنة الدستورية المكلَّفة وضع الدستور الجديد لا يرأس البلاد، ومهمته تنحصر في إدارة العملية التقنية لكتابة الدستور، ولا يفترض أن يكون مرشحاً للانتخابات في حال تمّ تكليف اللجنة الدستورية الإشراف على الانتخابات الرئاسية والنيابية، وهذا أساسي في أي بلد ديمقراطي، لئلا يتمّ استخدام المنصب لتحقيق غايات انتخابية.

4- يبدو من خلال التصريحات التركية أن الأتراك لن يقبلوا بالذهاب إلى تسوية - مهما كانت التنازلات السورية فيها - إلا بعد تكبيدهم هزيمة كبرى في حلب، وكسر ميزان القوى في الجبهة الممتدة على الحدود الشمالية بين سورية وتركيا، وما عودة حديث أردوغان عن المنطقة الآمنة إلا جزءاُ من الصراخ لإعلان أنه مستعدّ لقلب الطاولة إن لم يلحظ الاتفاق في فيينا مصالحه في سورية.

5- إن صح ما تمّ تسريبه من أن "دولة عربية مشتبه بقيامها بإصدار الأمر بتنفيذ العملية الإرهابية ضد الطائرة الروسية في سيناء، لإرباك الروس، ومنعهم من المضي قدماً في عمليتهم السورية، وتدفيعهم الثمن مقدّماً"، فإن تلك الدولة - سواء كان المقصود السعودية أو قطر - ستدفع ثمناً باهظاً في سورية وخارجها، لكن في كل الأحوال قد يكون هذا التسريب متعمَّداً لإخفاء تورط "إسرائيلي" في العملية، فالتصريحات "الإسرائيلية" المبشّرة بفشل "عاصفة السوخوي"، وبأن الانتقادات الداخلية للتورّط العسكري الروسي في سورية ستزداد حين يقتنع الروس أن الحادث الإرهابي ما هو إلا نتيجة لتورطهم في سورية، تشي بأن لـ"إسرائيل" مصلحة أكيدة في استمرار وإطالة أمد الحرب السورية، وفي دعم المجموعات الإرهابية في سورية، وإفشال الحملة الروسية.

انطلاقاً مما تقدّم، ومن خلال النظر إلى بنود المبادرة الروسية، ومسارعة الأميركيين إلى تكذيب أردوغان حول "المنطقة الآمنة"، يبدو أن مسار الحل السوري قد بدأ فعلاً، لكنه ما زال يحتاج إلى وقت طويل، خصوصاً في ظل موازين القوى الحالية على الأرض، ولن يكون حل إلا بتعديل كبير في موازين القوى، خصوصاً في الجبهة الشمالية، وهو ما يدركه الروس جيداً.. والى أن يحين الأوان، علينا مراقبة الحرب في الشمال السوري.