إستطاع هول وضخامة الإنفجار الإرهابيّ الذي ضرب «برج البراجنة» في الضاحية الجنوبية لبيروت، أن يخلق تضامنا سياسيا لافتا ـ وغير مسبوق ـ لناحية كَيل الإتهامات حول الدافع لهؤلاء الإرهابيين بتفجير أنفسهم في مناطق نفوذ حزب الله ردّا على مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا، الأمر الذي ترك إنطباعا بأن المصيبة تَجمع، وأن جوّ «التسوية التشريعية» الذي أنقذ البلد من خضّة سياسية مستمر، على حدّ قول مصادر متابعة، وقد ينعكس إنفراجا أكبر على مستويات أخرى رغم تعقّد المشهد الأمنيّ في الداخل، والتطورات السياسية في فيينا، والواقع الميداني في سوريا وقد أعطى تفجير «برج البراجنة» مِثالا حيّا على ترابط الوضع الداخلي بما يجري حول لبنان.

وتشير المصادر إلى أن تفجير «برج البراجنة» كان ضمن المخاوف الأمنية التي تترصدها الأجهزة المعنيَة منذ فترة والتي أفضت إلى توقيف بعض المرتبطين بالتحضير للقيام بالتفجيرات الإرهابية في مناطق مختلفة من الجنوب وطرابلس، وذلك بعد ورود معلومات تلقتها الأجهزة اللبنانية من مصادر مخابراتية إقليمية عن توجه ما يزيد عن 35 إنتحارياً نحو لبنان مجهّزين للقيام بعمليات إرهابية، وبناء عليه كان تقاطع في الجهد الإستخباري أفضى على مدى الأسبوعيين الماضيين إلى إلقاء القبض على شبكات تجسّس مرتبطة مع إسرائيل وتنتمي لـ«داعش» كانت تنوي التفجير في مناطق مختلفة.

كما ان المعلومات الواردة من سوريا والتي وصلت إلى لبنان أشارت إلى إطلاق بعض أئمة المساجد «المتشددين» نداءات لأن تكون المخيمات الفلسطينة في لبنان «وُجهة» «للنزوح الداعشي»، وقد عملت بعض العناصر المتواجدة في المخيّم على تهيئة «الأرضيّة» المناسبة التي تسمح بإستقبال «الوافدين الجُدد» إليها، وهو يعيد الحديث مجدّدا عن أمن المخيّمات الفلسطينية وإرتباطه بالتهديدات «الداعشية» التي وصلت لبنان على أكثر من جبهة، وإستنادا إلى معلومات إستخبارية حول قرار خارجي إتخذ عن أن تكون وُجهة «داعش» الجديدة نحو لبنان، وهذا ما حصل بالفعل قبل فترة في حادثة تفجير الإنتحاري في عرسال أو بما يجري داخل مخيّم «عين الحلوة»، وبناء على المعطيات السابقة فإن التداول المطروح في الفترة المقبلة سيتمحور حول تفعيل الخِطط الأمنيّة في المناطق الأكثر عِرضة للتفجيرات ويدخل في نفس السياق مُحاصرة أيّ نشاط مشبوه في المخيّمات الفلسطينية وسيكون مدار بحث بين الأجهزة اللبنانية والقيادات الفلسطينية الفاعلة في المخيّمات، وإيجاد نوع من التنسيق معها لإن الخطر «الداعشي» يهدّد المخيمات ايضا بعد تسرّب معلومات حول دخول عناصر متشدّدة إلى الداخل ومحاولة إقامة «إمارات شرعية»، وهو ما لن تقبله القيادات الفلسطينية التي لا تستبعد خيار المواجهة المسلحة معها.

هذا على المستوى الأمنيّ، أما على المستوى السياسي فإن مصادر سياسية مطّلعة تقول «ربّ ضارّة نافعة» تعليـقا على حملات التضامن والإستنكار التي صدرت عن معظم الأطراف اللبنانية واكثرها تشدّدا تجاه بيئة وجمهور حزب الله حيث ضرب التفجير الإنتحاري، والسبب حسب هذه المصادر إستكمال صورة «التوافق» السياسي الأخير وإقتناص إيجابياته للمرحلة المقبلة، التي يمكن أن تفتح الباب حول حدوث إختراق إيجابي أكبر على مستوى إعادة دوران عجلة العمل الحكومي وقد ظهر ذلك من خلال كلام رئيس الحكومة تمام سلام الأخير من الرياض، الذي تزامن مع كلام السيد نصر الله في يوم «الشهيد» حيث دعا إلى ضرورة العمل على إنجاز «تسوية» شاملة، وهي إشارات إيجابية وصفها المراقبون بمثابة «كلمة السرّ» التي أنجزت تسوية الرياض، وأعادت فتح أبواب العمل التشريعي على مصراعيه، فهل يكون ذلك مقدّمة لتشريع أبواب «السّراي» وعودة مجلس الوزراء إلى دورة الحياة، وبالتالي يَجمع مشهد «الدماء» في برج البراجنة أقطاب التسوية «التشريعية» ويدفعهم إلى نقاش أبعد من قانون الإنتخابات... إلى رئاسة الجمهورية؟ الإجابة سوف تحملها الفترة المقبلة التي لن تكون بمعزل عن تطورات أمنية وسياسية «ساخنة» داخليا وإقليميا.