صدمت العمليات الإرهابية التي نفّذتها "داعش" في باريس المجتمع الدولي، خصوصاً فرنسا التي هزّت هذه الحادثة أمنها، وهي نفسها التي آوت التكفيريين، وغضت الطرف عن تحركاتهم، كي ترضي السعودية، التي تدعمها من خلال شرائها صفقات السلاح منها.

قبل الحادثة، قيل الكثيرعن دعم الغرب للتكفريين بالمال والسلاح، والكلام الأخطر ما ذكرته كلينتون في كتابها من أن "داعش صناعة أميركية"، فيما حاول الجميع التنصُّل من هذه التهمة، عبر ادعائهم أنهم يحاربون الإرهاب، وقد أقاموا تحالفاً دولياً للقضاءعليه.

أمّا وقد وقعت الواقعة، وكان لدى وكالة المخابرات الفرنسية مخاوف من عمليات إرهابية تفوق دموية الهجوم على صحيفة "شارلي ايبدو"، وأن «هناك مخاوف من 11 أيلول فرنسي تكون فيه أجهزة المخابرات الفرنسية مجرد متفرج»"صحيفة"(Le Canard enchaîné)، فقد استنفر الجميع، ودعوا مجلس الأمن إلى الاجتماع وإصدار القرارات ضد "داعش"، كسابقاتها التي لم تنفَّذ حتى الآن.. فزاد التحالف الدولي من نشاطه العسكري ضدها، وكثفت فرنسا من غاراتها الجوية انتقاماً، وأرسلت حاملة الطائرات إلى الشرق الأوسط للتهدئة من روع الشعب الفرنسي، وتبعتها بريطانيا في ذلك.

أسفت أميركا لما حدث، وعملت على التحشيد الدولي لمحاربة "داعش" في اجتماعَي فيينا وقمة العشرين، واتفق المجتمعون على تعزيز التنسيق الدولي في مجال مكافحة "داعش"، لكن الحقيقة غير ذلك، وتتمثل في ما قاله الرئيس بوتين في قمة العشرين؛ هناك أربعون دولة تموّل الإرهاب، من بينها دول مشاركة في القمة، مؤكداً ضرورة وقف تجارة النفط غيرالشرعية التي يمارسها الإرهابيون. كذلك قال السيناتور الأميركي بلاك في رسالته إلى الرئيس الأسد إنه شعر بخيبة الأمل لأن الولايات المتحدة واجهت المساعدة الروسية لسورية بتحويل شحنات من صواريخ «تاو» المضادة للدبابات للإرهابيين، وهذا سيطيل فقط سفك الدماء في سورية، معتبراً أن تزويد «الإرهابيين الجيدين» بالأسلحة ومنعها عن «الإرهابيين السيئين» لعبة غبية، ومنقداً قول أوباما: "لن نتمكن من القضاء على داعش في سورية إلا حين التوصل إلى تسوية سياسية بشأن الرئيس السوري بشار الأسد"، وإن "الاستراتيجية التي وضعناها هي التي ستستمر حتى نهاية المطاف".

صحيح أن ما بعد الحادثة ليس كما قبلها، سواء من ناحية زيادة منسوب التدخّل العسكري الأوروبي والأميركي في سورية، لمنع روسيا من الاستفراد بالساحة السورية، ولمحاولتهما الحد من إضعافها للمعارضة المسلحة، وما قد توقعه من إشكالات قد تُفضي إلى التوتير الأمني بين الدول المعنية بالأزمة في سورية.

هذه الأجواء قد تساهم في تسوية الأزمة، وفي الوقت ذاته قد تأخذ الأمور إلى التصعيد العسكري ومزيد من التعقيد والاستنزاف، لكن الصحيح أيضاً أن لا تغيير في الاستراتيجية الأميركية المرسومة لسورية، خصوصاً لناحية الإبقاء على "داعش" إلى أن يأتي الوقت الذي يستطيع فيه الأميركي إيجاد البديل عنها، ودراسة جدوى مشاركة الجيش التركي في الشمال السوري لمواجهة "داعش"، ومدى تجاوب أردوغان مع هذا المشروع الذي يخاف منه، لأن إضعاف "داعش" وإحلال الأكراد مكانه فيه خطر على مشروع أردوغان، الذي يعمل لمنع الأكراد من إقامة دولتهم، وبعدها تسعى أميركا للقضاء على "داعش"، وهنا نسأل: هل واشنطن قادرة على إدخال المارد "الداعشي" إلى الفانوس بعد أن أخرجته منه؟ فلننتظر ونرَ.